من تلق منهم تقل لاقيت سيّدهم |
|
مثل النّجوم التي يسري بها السّاري |
(وَأَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) بسبب تكذيبهم بتلك الآيات ، والعذاب هو المذكور في قوله : (وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ) (١) الآية ، وبين سبحانه أن العلة في أخذه لهم بالعذاب هو رجاء رجوعهم ، ولما عاينوا ما جاءهم به من الآيات البينات والدلالات الواضحات ظنوا أن ذلك من قبيل السحر (وَقالُوا يا أَيُّهَا السَّاحِرُ) وكانوا يسمون العلماء سحرة ، ويوقرون السحرة ويعظمونهم ، ولم يكن السحر صفة ذم عندهم. قال الزجاج : خاطبوه بما تقدّم له عندهم من التسمية بالساحر (ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ) أي : بما أخبرتنا من عهده إليك إنا إذا آمنا كشف عنا العذاب ، وقيل : المراد بالعهد النبوّة ، وقيل : استجابة الدعوة على العموم (إِنَّنا لَمُهْتَدُونَ) أي إذا كشف عنا العذاب الذي نزل بنا فنحن مهتدون فيما يستقبل من الزمان ، ومؤمنون بما جئت به (فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ) في الكلام حذف ، والتقدير : فدعا موسى ربه فكشف عنهم العذاب فلما كشف عنهم العذاب فاجؤوا وقت نكثهم للعهد الذي جعلوه على أنفسهم من الاهتداء ، والنكث : النقض (وَنادى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ) قيل : لما رأى تلك الآيات خاف ميل القوم إلى موسى ، فجمعهم ونادى بصوته فيما بينهم أو أمر مناديا ينادي بقوله : (يا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ) لا ينازعني فيه أحد ولا يخالفني مخالف (وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي) أي : من تحت قصري ، والمراد أنهار النيل. وقال قتادة : المعنى تجري بين يديّ. وقال الحسن : تجري بأمري : أي تجري تحت أمري. وقال الضحاك : أراد بالأنهار : القوّاد والرؤساء والجبابرة وأنهم يسيرون تحت لوائه. وقيل : أراد بالأنهار الأموال ، والأوّل أولى. والواو في (وَهذِهِ) عاطفة على ملك مصر ، و (تَجْرِي) في محلّ نصب على الحال ، أو هي واو الحال ، واسم الإشارة : مبتدأ ، والأنهار : صفة له ، وتجري : خبره ، والجملة في محل نصب (أَفَلا تُبْصِرُونَ) ذلك وتستدلون به على قوّة ملكي ، وعظيم قدري ، وضعف موسى عن مقاومتي (أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ) أم هي المنقطعة المقدّرة ببل التي للإضراب دون الهمزة التي للإنكار ، أي : بل أنا خير ، قال أبو عبيدة : أم بمعنى بل ، والمعنى : قال فرعون لقومه : بل أنا خير. وقال الفراء : إن شئت جعلتها من الاستفهام الذي جعل بأم لاتصاله بكلام قبله ، وقيل : هي زائدة ، وحكى أبو زيد عن العرب أنهم يجعلون أم زائدة ، والمعنى : أنا خير من هذا. وقال الأخفش : في الكلام حذف ، والمعنى : أفلا تبصرون أم تبصرون؟ ثم ابتدأ فقال : (أَنَا خَيْرٌ) وروي عن الخليل وسيبويه نحو قول الأخفش ، ويؤيد هذا أن عيسى الثقفي ويعقوب الحضرمي وقفا على (أَمْ) على تقدير أم تبصرون ، فحذف لدلالة الأوّل عليه ، وعلى هذا فتكون أم متصلة لا منقطعة والأوّل أولى. ومثله قول الشاعر الذي أنشده الفراء :
بدت مثل قرن الشمس في رونق الضحى |
|
وصورتها أم أنت في العين أملح |
__________________
(١). الأعراف : ١٣٠.