(٤٨) لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُسٌ قَنُوطٌ (٤٩) وَلَئِنْ أَذَقْناهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هذا لِي وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِما عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ (٥٠) وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ (٥١) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقاقٍ بَعِيدٍ (٥٢) سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (٥٣) أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ (٥٤))
قوله : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ) هذا كلام مستأنف يتضمن تسلية رسول الله صلىاللهعليهوسلم عما كان يحصل له من الاغتمام بكفر قومه ، وطعنهم في القرآن ، فأخبره أن هذا عادة قديمة في أمم الرسل ، فإنهم يختلفون في الكتب المنزلة إليهم ، والمراد بالكتاب : التوراة ، والضمير من قوله : (فِيهِ) راجع إليه ، وقيل : يرجع إلى موسى ، والأوّل أولى (وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ) في تأخير العذاب عن المكذّبين من أمتك كما في قوله : (وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) (١) (لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) بتعجيل العذاب لمن كذب منهم (وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ) أي : من كتابك المنزّل عليك وهو القرآن ، ومعنى الشك المريب : الموقع في الريبة ، أو الشديد الريبة. وقيل : إن المراد اليهود ، وأنهم في شك من التوراة مريب ، والأوّل أولى (مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ) أي : من أطاع الله وآمن برسوله ولم يكذّبهم فثواب ذلك راجع إليه ونفعه خاصّ به (وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها) أي : عقاب إساءته عليه لا على غيره (وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) فلا يعذّب أحدا إلا بذنبه ، ولا يقع منه الظلم لأحد كما في قوله سبحانه (إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً) (٢) وقد تقدّم الكلام على معنى هذه الآية في سورة آل عمران عند قوله : (وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) (٣) وفي سورة الأنفال أيضا. ثم أخبر سبحانه أن علم القيامة ، ووقت قيامها لا يعلمه غيره ، فقال : (إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ) فإذا وقع السؤال عنها وجب على المسؤول أن يردّ علمها إليه لا إلى غيره ، وقد روي أن المشركين قالوا : يا محمد إن كنت نبيا فخبرنا متى تقوم الساعة؟ فنزلت ، و (ما) في قوله : (وَما تَخْرُجُ مِنْ ثَمَراتٍ مِنْ أَكْمامِها) نافية ، ومن الأولى للاستغراق ، ومن الثانية لابتداء الغاية ، وقيل : هي موصولة في محلّ جرّ عطفا على الساعة ، أي : علم الساعة وعلم التي تخرج ، والأوّل أولى. والأكمام جمع كمّ بكسر الكاف ، وهو وعاء الثمرة ، ويطلق على كل ظرف لمال أو غيره. قال أبو عبيدة : أكمامها أوعيتها ، وهي ما كانت فيه الثمرة واحدها كمّ وكمة. قال الراغب : الكم ما يغطي اليد من القميص ، وما يغطي الثمرة ، وجمعه أكمام ، وهذا يدلّ على أن الكمّ بضمّ الكاف لأنه جعله مشتركا بين كمّ القميص ، وكمّ الثمرة ، ولا خلاف في كمّ القميص أنه بالضمّ. ويمكن أن يقال : إن في الكمّ الذي هو وعاء الثمر لغتين. قرأ الجمهور «من ثمرة» بالإفراد ، وقرأ نافع وابن عامر وحفص بالجمع (وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ) أي : ما تحمل أنثى حملا
__________________
(١). النحل : ٦١.
(٢). يونس : ٤٤.
(٣). آل عمران : ١٨٢.