بما تعملون بصير ، فهو مجازيكم على كل ما تعملون. قال الزجاج لفظه لفظ الأمر ، ومعناه الوعيد (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جاءَهُمْ) الجملة مستأنفة مقرّرة لما قبلها ، وخبر إن محذوف ، أي : إن الذين كفروا بالقرآن لما جاءهم يجازون بكفرهم ، أو هالكون ، أو يعذّبون ، وقيل : هو قوله : (يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) وهذا بعيد وإن رجحه أبو عمرو بن العلاء. وقال الكسائي : إنه سدّ مسدّه الخبر السابق ، وهو (لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا) وقيل : إن الجملة بدل من الجملة الأولى وهي : الذين يلحدون في آياتنا ، وخبر إن : هو الخبر السابق (وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ) أي : القرآن الذي كانوا يلحدون فيه ، أي : عزيز عن أن يعارض أن يطعن فيه الطاعنون ، منيع عن كل عيب. ثم وصفه بأنه حق لا سبيل للباطل إليه بوجه من الوجوه ، فقال : (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ). قال الزجاج : معناه أنه محفوظ من أن ينقص منه فيأتيه الباطل من بين يديه ، أو يزاد فيه فيأتيه الباطل من خلفه ، وبه قال قتادة والسدّي ، ومعنى الباطل على هذا : الزيادة والنقصان. وقال مقاتل : لا يأتيه التكذيب من الكتب التي قبله ، ولا يجيء من بعده كتاب فيبطله ، وبه قال الكلبي وسعيد بن جبير. وقيل : الباطل هو الشيطان ، أي : لا يستطيع أن يزيد فيه ، ولا ينقص منه. وقيل : لا يزاد فيه ، ولا ينقص منه ، لا من جبريل ، ولا من محمد صلىاللهعليهوسلم (تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) هو خبر مبتدأ محذوف ، أو صفة أخرى لكتاب عند من يجوّز تقديم غير الصريح من الصفات على الصريح ، وقيل : إنه الصفة لكتاب ، وجملة لا يأتيه معترضة بين الموصوف والصفة ، ثم سلى سبحانه رسوله صلىاللهعليهوسلم عن ما كان يتأثر له من أذية الكفار فقال : (ما يُقالُ لَكَ إِلَّا ما قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ) أي : ما يقال لك من هؤلاء الكفار من وصفك بالسحر والكذب والجنون إلا مثل ما قيل للرسل من قبلك ، فإن قومهم كانوا يقولون لهم مثل ما يقول لك هؤلاء ، وقيل المعنى : ما يقال لك من التوحيد وإخلاص العبادة لله إلا ما قد قيل للرسل من قبلك ، فإن الشرائع كلها متفقة على ذلك ، وقيل : هو استفهام ، أي : أيّ شيء يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك (إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ) لمن يستحق مغفرته من الموحدين الذين بايعوك ، وبايعوا من قبلك من الأنبياء (وَذُو عِقابٍ أَلِيمٍ) للكفار المكذّبين المعادين لرسل الله ، وقيل : لذو مغفرة للأنبياء ، وذو عقاب لأعدائهم (وَلَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِيًّا) أي : لو جعلنا هذا القرآن الذي تقرؤه على الناس بغير لغة العرب (لَقالُوا لَوْ لا فُصِّلَتْ آياتُهُ) أي : بينت بلغتنا فإننا عرب لا نفهم لغة العجم ، والاستفهام في قوله : (ءَ أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌ) للإنكار ، وهو من جملة قول المشركين ، أي : لقالوا أكلام أعجميّ ورسول عربيّ. والأعجمي : الذي لا يفصح سواء كان من العرب أو من العجم. والأعجم ضد الفصيح : وهو الذي لا يبين كلامه ، ويقال للحيوان غير الناطق : أعجم. قرأ أبو بكر ، وحمزة ، والكسائي «ء أعجميّ» بهمزتين محققتين. وقرأ الحسن ، وأبو العالية ، ونصر بن عاصم ، وهشام بهمزة واحدة على الخبر وقرأ الباقون : بتسهيل الثانية بين بين ، وقيل المراد : هلا فصلت آياته ؛ فجعل بعضها أعجميا لإفهام العجم ، وبعضها عربيا لإفهام العرب. ثم أمر سبحانه رسوله صلىاللهعليهوسلم أن يجيبهم فقال : (قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ) أي : يهتدون به إلى الحق ، ويشتفون به من كل شك وشبهة ، ومن الأسقام والآلام (وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ)