غير موضع. ثم أخبر سبحانه عن حال من قبلهم من الكفار ، فقال : (كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) أي : من قبل الكفار المعاصرين لمحمد صلىاللهعليهوسلم. والمعنى : أنهم كذبوا رسلهم (فَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ) أي : من جهة لا يحتسبون إتيان العذاب منها ، وذلك عند أمنهم وغفلتهم عن عقوبة الله لهم بتكذيبهم (فَأَذاقَهُمُ اللهُ الْخِزْيَ) أي : الذلّ والهوان (فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) بالمسخ ، والخسف ، والقتل ، والأسر ، وغير ذلك (وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ) لكونه في غاية الشدّة مع دوامه (لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) أي : لو كانوا ممن يعلم الأشياء ، ويتفكر فيها ، ويعمل بمقتضى علمه. قال المبرّد : يقال لكل ما نال الجارحة من شيء قد ذاقته ، أي : وصل إليها كما تصل الحلاوة والمرارة إلى الذائق لهما. قال : والخزي المكروه.
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً) الآية قال : ما في الأرض ماء إلا نزل من السماء ، ولكن عروق في الأرض تغيره ، فذلك قوله : (فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ) فمن سرّه أن يعود الملح عذبا فليصعده. وأخرج ابن مردويه عنه في قوله : (أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ) قال : أبو بكر الصديق. وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود قال : تلا النبي صلىاللهعليهوسلم هذه الآية (أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ) قلنا يا نبيّ الله كيف انشراح صدره؟ قال : إذا دخل النور القلب انشرح وانفسح. قلنا : فما علامة ذلك يا رسول الله؟ فقال : الإنابة إلى دار الخلود ، والتجافي عن دار الغرور ، والتأهب للموت قبل نزول الموت. وأخرجه ابن مردويه عن محمد بن كعب القرظي مرفوعا مرسلا. وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن ابن عمر «أن رجلا قال : يا نبيّ الله أي المؤمنين أكيس؟ قال : أكثرهم ذكرا للموت ، وأحسنهم له استعدادا ، وإذا دخل النور في القلب انفسح واستوسع ، فقالوا : ما آية ذلك يا نبيّ الله؟ قال : الإنابة إلى دار الخلود والتجافي عن دار الغرور ، والاستعداد للموت قبل نزول الموت». وأخرجه عن أبي جعفر عبد الله بن المسور عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ينحوه ، وزاد فيه. ثم قرأ (أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ). وأخرج الترمذي ، وابن مردويه ، وابن شاهين في الترغيب في الذكر ، والبيهقي في الشعب عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله ، فإنّ كثرة الكلام بغير ذكر الله قسوة للقلب ، وإنّ أبعد النّاس من الله القلب القاسي». وأخرج ابن جرير عن ابن عباس «قال : قالوا يا رسول الله لو حدّثتنا ، فنزل (اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ) الآية». وأخرج ابن مردويه عنه في قوله : (مَثانِيَ) قال : القرآن كله مثاني. وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضا في الآية قال : كتاب الله مثاني ثنى فيه الأمر مرارا. وأخرج سعيد بن منصور ، وابن المنذر ، وابن مردويه ، وابن عساكر عن عبد الله بن عروة بن الزبير قال : قلت لجدّتي أسماء كيف كان يصنع أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذا قرءوا القرآن؟ قالت : كانوا كما نعتهم الله تدمع أعينهم وتقشعرّ جلودهم ، قلت : فإن ناسا هاهنا إذا سمعوا ذلك تأخذهم عليه غشية ، قالت : أعوذ بالله من الشيطان. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله : (أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ) قال : ينطلق به إلى النار مكتوفا ثم يرمي به فيها ، فأوّل ما تمسّ وجهه النار.