وهبيرة عن عاصم بإسكان الهاء من يرضه ، وأشبع الضمة على الهاء ابن ذكوان ، وابن كثير ، والكسائي ، وابن محيصن ، وورش عن نافع ، واختلس الباقون (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) أي : لا تحمل نفس حاملة للوزر حمل نفس أخرى ، وقد تقدّم تفسير هذه الآية مستوفى (ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ) يوم القيامة (فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) من خير وشر ، وفيه تهديد شديد (إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) أي : بما تضمره القلوب وتستره ، فكيف بما تظهره وتبديه (وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ) أيّ ضر كان من مرض أو فقر أو خوف (دَعا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ) أي : راجعا إليه مستغيثا به في دفع ما نزل به تاركا لما كان يدعوه ، ويستغيث به من ميت ، أو حيّ ، أو صنم ، أو غير ذلك (ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ) أي : أعطاه وملكه ، يقال خوّله الشيء : أي ملكه إياه ، وكان أبو عمرو بن العلاء ينشد :
هنالك إن يستخولوا المال يخولوا |
|
وإن يسألوا يعطوا وإن ييسروا يغلوا (١) |
ومنه قول أبي النجم :
أعطى ولم يبخل فلم يبخّل |
|
كوم الذّرى من خول المخوّل |
(نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ) أي : نسي الضرّ الذي كان يدعو الله إلى كشفه عنه من قبل أن يخوله ما خوله ، وقيل : نسي الدعاء الذي كان يتضرع به وتركه ، أو نسي ربه الذي كان يدعوه ويتضرّع إليه ، ثم جاوز ذلك إلى الشرك بالله ، وهو معنى قوله : (وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْداداً) أي : شركاء من الأصنام أو غيرها يستغيث بها ويعبدها (لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ) أي : ليضل الناس عن طريق الله التي هي الإسلام والتوحيد. وقال السدّي : يعني أندادا من الرجال يعتمد عليهم في جميع أموره. ثم أمر الله سبحانه رسوله صلىاللهعليهوسلم أن يهدّد من كان متصفا بتلك الصفة فقال : (قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً) أي : تمتعا قليلا ، أو زمانا قليلا ، فمتاع الدنيا قليل ، ثم علل ذلك بقوله : (إِنَّكَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ) أي : مصيرك إليها عن قريب ، وفيه من التهديد أمر عظيم. قال الزجاج : لفظه لفظ الأمر ، ومعناه التهديد والوعيد ، قرأ الجمهور (لِيُضِلَ) بضم الياء ، وقرأ ابن كثير ، وأبو عمرو بفتحها. ثم لما ذكر سبحانه صفات المشركين وتمسكهم بغير الله عند اندفاع المكروهات عنهم ذكر صفات المؤمنين فقال : (أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ) وهذا إلى آخره من تمام الكلام المأمور به رسول الله صلىاللهعليهوسلم. والمعنى ذلك الكافر أحسن حالا ومآلا ، أمن هو قائم بطاعات الله في السرّاء والضرّاء في ساعات الليل ، مستمرّ على ذلك ، غير مقتصر على دعاء الله سبحانه عند نزول الضرر به. قرأ الحسن ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وعاصم ، والكسائي (أَمَّنْ) بالتشديد ، وقرأ نافع ، وابن كثير ، وحمزة ، ويحيى ابن وثاب ، والأعمش بالتخفيف ، فعلى القراءة الأولى : أم داخلة على من الموصولة وأدغمت الميم في الميم ، وأم هي المتصلة ومعادلها محذوف تقديره : الكافر خير أم الذي هو قانت؟ وقيل : هي المنقطعة المقدّرة ببل والهمزة ، أي : بل أمن هو قانت كالكافر؟ وأما على القراءة الثانية : فقيل : الهمزة للاستفهام دخلت على من
__________________
(١). البيت لزهير ، ومعنى «إن ييسروا يغلوا» : إذا قامروا بالميسر ، يأخذون سمان الإبل ، فيقامرون عليها.