من نفس خلقها واحدة ثم جعل منها زوجها. ويجوز أن يكون العطف على معنى واحدة ، أي : من نفس انفردت ثم جعل إلخ ، والتعبير بالجعل دون الخلق مع العطف بثمّ للدلالة على أن خلق حوّاء من ضلع آدم أدخل في كونه آية باهرة دالة على كمال القدرة ، لأن خلق آدم هو على عادة الله المستمرة في خلقه ، وخلقها على الصفة المذكورة لم تجر به عادة لكونه لم يخلق سبحانه أنثى من ضلع رجل غيرها ، وقد تقدّم تفسير هذه الآية مستوفى في سورة الأعراف. ثم بين سبحانه نوعا آخر من قدرته الباهرة فقال : (وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ) وهو معطوف على خلقكم ، وعبر بالإنزال لما يروى أنه خلقها في الجنة ثم أنزلها ، فيكون الإنزال حقيقة ، ويحتمل أن يكون مجازا ، لأنها لم تعش إلّا بالنبات ، والنبات إنّما يعيش بالماء والماء منزل من السماء ، كانت الأنعام كأنها منزلة ، لأن سبب سببها منزل كما أطلق على السبب في قوله :
إذا نزل السماء بأرض قوم |
|
رعيناه وإن كانوا غضابا |
وقيل : إن أنزل بمعنى أنشأ وجعل ، أو بمعنى : أعطى ، وقيل : جعل الخلق إنزالا ، لأن الخلق إنما يكون بأمر ينزل من السماء ، والثمانية الأزواج : هي ما في قوله من الضأن اثنين ، ومن المعز اثنين ، ومن الإبل اثنين ، ومن البقر اثنين ، ويعني بالاثنين في الأربعة المواضع : الذكر والأنثى ، وقد تقدّم تفسير الآية في سورة الأنعام. ثم بين سبحانه نوعا آخر من قدرته البديعة فقال : (يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ) والجملة استئنافية لبيان ما تضمنته من الأطوار المختلفة في خلقهم ، وخلقا : مصدر مؤكد للفعل المذكور ، و (مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ) : صفة له ، أي : خلقا كائنا من بعد خلق. قال قتادة والسدّي : نطفة ، ثم علقة ، ثم مضغة ، ثم عظما ، ثم لحما. وقال ابن زيد : خلقكم خلقا في بطون أمهاتكم من بعد خلقكم في ظهر آدم ، وقوله : (فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ) متعلق بقوله : (يَخْلُقُكُمْ) وهذه الظلمات الثلاث هي : ظلمة البطن ، وظلمة الرّحم ، وظلمة المشيمة قاله مجاهد ، وعكرمة ، وقتادة ، والضحاك. وقال سعيد بن جبير : ظلمة المشيمة ، وظلمة الرّحم ، وظلمة الليل. وقال أبو عبيدة : ظلمة صلب الرجل ، وظلمة بطن المرأة ، وظلمة الرّحم ، والإشارة بقوله : (ذلِكُمُ اللهُ) إليه سبحانه باعتبار أفعاله السابقة ، والاسم الشريف : خبره (رَبُّكُمْ) خبر آخر (لَهُ الْمُلْكُ) الحقيقي في الدنيا والآخرة لا شركة لغيره فيه ، وهو خبر ثالث ، وقوله : (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) خبر رابع (فَأَنَّى تُصْرَفُونَ) أي : فكيف تنصرفون عن عبادته وتنقلبون عنها إلى عبادة غيره. قرأ حمزة : «إمهاتكم» بكسر الهمزة والميم. وقرأ الكسائي بكسر الهمزة وفتح الميم. وقرأ الباقون بضم الهمزة وفتح الميم.
وقد أخرج ابن مردويه عن يزيد الرقاشي أن رجلا قال : يا رسول الله إنّا نعطي أموالنا التماس الذكر فهل لنا في ذلك من أجر؟ فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لا» قال : يا رسول الله إنما نعطي التماس الأجر والذكر فهل لنا أجر؟ فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إنّ الله لا يقبل إلا ما أخلص له ، ثم تلا هذه الآية (أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ)» وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (يُكَوِّرُ اللَّيْلَ)