سورة النّور
أخرج ابن مردويه عن ابن عباس وابن الزبير قالا : أنزلت سورة النور بالمدينة. وأخرج الحاكم وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن عائشة مرفوعا : «لا تنزلوهنّ الغرف ولا تعلموهنّ الكتابة» : يعني النساء ، «وعلّموهنّ الغزل وسورة النور». وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر والبيهقي عن مجاهد قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «علّموا رجالكم سورة المائدة ، وعلّموا نساءكم سورة النور» وهو مرسل. وأخرج أبو عبيد في فضائله عن حارثة بن مضرب قال : كتب إلينا عمر بن الخطاب أن تعلّموا سورة النساء ، والأحزاب ، والنور.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(سُورَةٌ أَنْزَلْناها وَفَرَضْناها وَأَنْزَلْنا فِيها آياتٍ بَيِّناتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (١) الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢) الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلاَّ زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلاَّ زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (٣))
السورة في اللغة : اسم للمنزلة الشريفة ، ولذلك سميت السورة من القرآن : سورة ، ومنه قول زهير (١) :
ألم تر أنّ الله أعطاك سورة |
|
ترى كلّ ملك دونها يتذبذب |
أي : منزلة ، قرأ الجمهور (سُورَةٌ) بالرفع وفيه وجهان : أحدهما : أن تكون خبرا لمبتدأ محذوف ، أي : هذه سورة ، ورجحه الزجاج والفراء والمبرد ، قالوا : لأنها نكرة ، ولا يبتدأ بالنكرة في كل موضع. والوجه الثاني : أن يكون مبتدأ وجاز الابتداء بالنكرة لكونها موصوفة بقوله : (أَنْزَلْناها) والخبر (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي) ويكون المعنى : السورة المنزلة المفروضة : كذا وكذا ، إذ السورة عبارة عن آيات مسرودة لها مبدأ ومختم ، وهذا معنى صحيح ، ولا وجه لما قاله الأولون من تعليل المنع من الابتداء بها كونها نكرة ، فهي نكرة مخصصة بالصفة ، وهو مجمع على جواز الابتداء بها. وقيل : هي مبتدأ محذوف الخبر على تقدير : فيما أوحينا إليك سورة ، وردّ بأن مقتضى المقام بيان شأن هذه السورة الكريمة ، لا بيان أن في جملة ما أوحي إلى النبيّ صلىاللهعليهوسلم سورة شأنها : كذا وكذا. وقرأ الحسن بن عبد العزيز ، وعيسى الثقفي ، وعيس الكوفي ، ومجاهد ، وأبو حيوة ، وطلحة بن مصرف بالنصب ، وفيه أوجه : الأوّل : أنها منصوبة بفعل مقدّر غير مفسر بما بعده ، تقديره : اتل سورة ، والثاني : أنها منصوبة بفعل مضمر يفسره ما بعده على ما قيل في باب اشتغال الفعل عن الفاعل بضميره ، أي : أنزلنا سورة أنزلناها ، فلا محل لأنزلناها هاهنا لأنها جملة مفسرة ، بخلاف الوجه الذي قبله فإنها في محل نصب على أنها صفة لسورة. الوجه الثالث : أنها منصوبة على الإغراء ، أي : دونك سورة ،
__________________
(١). البيت للنابغة الذّبياني ، على خلاف ما جاء في الأصل.