محذوف مقدّر في الكلام. قال الفراء : تقديره فجاءهم محمّد بالذكر فكفروا به ، وهذا على طريق التعجب منهم (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) أي : عاقبة كفرهم ومغبته ، وفي هذا تهديد لهم شديد ، وجملة : (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ) مستأنفة مقرّرة للوعيد ، والمراد بالكلمة ما وعدهم الله به من النصر والظفر على الكفار. قال مقاتل : عنى بالكلمة قوله سبحانه (كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي) (١) وقال الفراء : سبقت كلمتنا بالسعادة لهم ، والأولى تفسير هذه الكلمة بما هو مذكور هنا ، فإنه قال : (إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ) فهذه هي الكلمة المذكورة سابقا وهذا تفسير لها ، والمراد بجند الله حزبه وهم الرسل وأتباعهم. قال الشيباني : جاء هنا على الجمع : يعني قوله : (لَهُمُ الْغالِبُونَ) من أجل أنه رأس آية ، وهذا الوعد لهم بالنصر والغلبة لا ينافيه انهزامهم في بعض المواطن ، وغلبة الكفار لهم ، فإن الغالب في كلّ موطن هو انتصارهم على الأعداء ، وغلبتهم لهم ، فخرج الكلام مخرج الغالب ، على أن العاقبة المحمودة لهم على كلّ حال وفي كل موطن كما قال سبحانه : (وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) ثم أمر الله سبحانه رسوله بالإعراض عنهم والإغماض عما يصدر منهم من الجهالات والضلالات فقال : (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ) أي : أعرض عنهم إلى مدّة معلومة عند الله سبحانه ، وهي مدة الكف عن القتال. قال السدّي ومجاهد : حتى نأمرك بالقتال. وقال قتادة : إلى الموت ، وقيل : إلى يوم بدر ، وقيل : إلى يوم فتح مكة ، وقيل : هذه الآية منسوخة بآية السيف (وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ) أي : وأبصرهم إذا نزل بهم العذاب بالقتل والأسر فسوف يبصرون حين لا ينفعهم الإبصار ، وعبر بالإبصار عن قرب الأمر : أي : فسوف يبصرون عن قريب. وقيل المعنى : فسوف يبصرون العذاب يوم القيامة. ثم هددهم بقوله سبحانه : (أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ) كانوا يقولون من فرط تكذيبهم : متى هذا العذاب؟ (فَإِذا نَزَلَ بِساحَتِهِمْ) أي : إذا نزل عذاب الله لهم بفنائهم ، والساحة في اللغة : فناء الدار الواسع ، قال الفراء : نزل بساحتهم ونزل بهم سواء. قال الزجاج : وكان عذاب هؤلاء بالقتل ، قيل : المراد به نزول رسول الله صلىاللهعليهوسلم بساحتهم يوم فتح مكة. قرأ الجمهور «نزل» مبنيا للفاعل. وقرأ عبد الله بن مسعود على البناء للمفعول ، والجار والمجرور قائم مقام الفاعل (فَساءَ صَباحُ الْمُنْذَرِينَ) أي : بئس صباح الذين أنذروا بالعذاب ، والمخصوص بالذم محذوف ، أي : صباحهم. وخصّ الصباح بالذكر لأن العذاب كان يأتيهم فيه. ثم كرر سبحانه ما سبق تأكيدا للوعد بالعذاب فقال : (وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ) وحذف مفعول أبصر هاهنا وذكره أوّلا إما لدلالة الأوّل عليه فتركه هنا اختصارا ، أو قصدا إلى التعميم للإيذان بأن ما يبصره من أنواع عذابهم لا يحيط به الوصف. وقيل : هذه الجملة المراد بها أحوال القيامة ، والجملة الأولى المراد بها عذابهم في الدنيا ، وعلى هذا فلا يكون من باب التأكيد ، بل من باب التأسيس. ثم نزّه سبحانه نفسه عن قبيح ما يصدر منهم فقال : (سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ) العزّة : الغلبة والقوة ، والمراد تنزيهه عن كلّ ما يصفونه به مما لا يليق بجنابه الشريف ، وربّ العزّة بدل من ربك. ثم ذكر ما يدلّ على تشريف رسله وتكريمهم فقال : (وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ) أي : الذين أرسلهم
__________________
(١). المجادلة : ٢١.