مفعول يستوي فيه المفرد والمثنى ، والمجموع ، والمذكر والمؤنث. ثم كرر سبحانه تقريعهم ، وتوبيخهم فقال : (أَصْطَفَى الْبَناتِ عَلَى الْبَنِينَ) قرأ الجمهور بفتح الهمزة على أنها للاستفهام الإنكاري ، وقد حذف معها همزة الوصل استغناء به عنها. وقرأ نافع في رواية عنه ، وأبو جعفر ، وشيبة ، والأعمش بهمزة وصل تثبت ابتداء ، وتسقط درجا ، ويكون الاستفهام منويا قاله الفراء. وحذف حرفه للعلم به من المقام ، أو على أن اصطفى وما بعده بدل من الجملة المحكية بالقول. وعلى تقدير عدم الاستفهام والبدل. فقد حكى جماعة من المحققين منهم الفراء أن التوبيخ يكون باستفهام ، وبغير استفهام كما في قوله : (أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا) (١) وقيل : هو على إضمار القول. و (ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) جملتان استفهاميتان ليس لأحدهما تعلق بالأخرى من حيث الإعراب : استفهمهم أوّلا عما استقرّ لهم وثبت؟ استفهام بإنكار ، وثانيا : استفهام تعجب من هذا الحكم الذي حكموا به ، والمعنى : أيّ شيء ثبت لكم كيف تحكمون لله بالبنات وهم القسم الذي تكرهونه ، ولكم بالبنين وهم القسم الذي تحبونه؟ (أَفَلا تَذَكَّرُونَ) أي : تتذكرون فحذفت إحدى التاءين ، والمعنى : ألا تعتبرون وتتفكرون فتتذكرون بطلان قولكم (أَمْ لَكُمْ سُلْطانٌ مُبِينٌ) أي : حجة واضحة ظاهرة على هذا الذي تقولونه ، وهو إضراب عن توبيخ إلى توبيخ وانتقال من تقريع إلى تقريع. (فَأْتُوا بِكِتابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) أي : فأتوا بحجّتكم الواضحة على هذا إن كنتم صادقين فيما تقولونه ، أو فأتوا بالكتاب الذي ينطق لكم بالحجة ويشتمل عليها (وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً) قال أكثر المفسرين : إن المراد بالجنة هنا الملائكة ، قيل لهم : جنة ، لأنهم لا يرون. وقال مجاهد : هم بطن من بطون الملائكة يقال لهم الجنة. وقال أبو مالك : إنما قيل لهم الجنة لأنهم خزّان على الجنان. والنسب : الصهر. قال قتادة والكلبي : قالوا لعنهم الله : إن الله صاهر الجنّ فكانت الملائكة من أولادهم ؛ قالا : والقائل بهذه المقالة اليهود. وقال مجاهد والسدّي ومقاتل : إن القائل بذلك كنانة وخزاعة قالوا : إن الله خطب إلى سادات الجن فزوّجوه من سروات بناتهم ، فالملائكة بنات الله من سروات بنات الجن. وقال الحسن : أشركوا الشيطان في عبادة الله ، فهو النسب الذي جعلوه. ثم ردّ الله سبحانه عليهم بقوله : (وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ) أي : علموا أن هؤلاء الكفار الذين قالوا هذا القول يحضرون النار ويعذبون فيها. وقيل : علمت الجنة إنهم أنفسهم يحضرون للحساب. والأوّل أولى ، لأن الإحضار إذا أطلق فالمراد لعذاب. وقيل المعنى : ولقد علمت الجنة إنهم لمحضرون إلى الجنة. ثم نزّه سبحانه نفسه فقال : (سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ) أو هو حكاية لتنزيه الملك لله عزوجل عما وصفه به المشركون ، والاستثناء في قوله. (إِلَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ) منقطع ، والتقدير : لكن عباد الله المخلصين بريئون عن أن يصفوا الله بشيء من ذلك. وقد قرئ بفتح اللام وكسرها ومعناهما ما بيناه قريبا. وقيل : هو استثناء من المحضرين ، أي : إنهم يحضرون النار إلا من أخلص ، فيكون متصلا لا منقطعا ، وعلى هذا تكون جملة التسبيح معترضة. ثم خاطب الكفار على العموم أو كفار مكة على الخصوص فقال : (فَإِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ) أي : فإنكم وآلهتكم التي تعبدون من دون الله لستم
__________________
(١). الأحقاف : ٢٠.