الشياطين (فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْها) أي : من الشجرة أو من طلعها ، والتأنيث لاكتساب الطلع التأنيث من إضافته إلى الشجرة (فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ) وذلك أنهم يكرهون على أكلها حتى تمتلئ بطونهم ، فهذا طعامهم ، وفاكهتهم بدل رزق أهل الجنة (ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْها) بعد الأكل منها (لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ) الشوب : الخلط. قال الفراء : شاب طعامه وشرابه : إذا خلطهما بشيء يشوبهما شوبا وشيابة ، والحميم : الماء الحارّ. فأخبر سبحانه أنه يشاب لهم طعامهم من تلك الشجرة بالماء الحارّ ليكون أفظع لعذابهم وأشنع لحالهم كما في قوله : (وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ) قرأ الجمهور (لَشَوْباً) بفتح الشين ، وهو مصدر ، وقرأ شيبان النحوي بالضم. قال الزجاج : المفتوح مصدر ، والمضموم اسم بمعنى المشوب ، كالنقص بمعنى المنقوص (ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ) أي : مرجعهم بعد شرب الحميم وأكل الزقوم إلى الجحيم ، وذلك أنهم يوردون الحميم لشربه ، وهو خارج الجحيم ، كما تورد الإبل ، ثم يردّون إلى الجحيم كما في قوله سبحانه : (يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ) وقيل : إن الزقوم والحميم نزل يقدّم إليهم قبل دخولها. قال أبو عبيدة : ثم بمعنى الواو ، وقرأ ابن مسعود «ثمّ إنّ مقيلهم لإلى الجحيم» وجملة (إِنَّهُمْ أَلْفَوْا) أي : وجدوا (آباءَهُمْ ضالِّينَ) تعليل لاستحقاقهم ما تقدّم ذكره ، أي : صادفوهم كذلك فاقتدوا بهم تقليدا وضلالة لا لحجة أصلا (فَهُمْ عَلى آثارِهِمْ يُهْرَعُونَ) الإهراع الإسراع ، الإهراع برعدة. وقال أبو عبيدة : يهرعون : يستحثون من خلفهم ، يقال جاء فلان يهرع إلى النار : إذا استحثه البرد إليها. وقال المفضل يزعجون من شدّة الإسراع. قال الزجاج : هرع وأهرع : إذا استحثّ وانزعج ، والمعنى : يتبعون آباءهم في سرعة كأنهم يزعجون إلى اتباع آبائهم (وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ) أي : ضلّ قبل هؤلاء المذكورين أكثر الأوّلين من الأمم الماضية (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ) أي : أرسلنا في هؤلاء الأوّلين رسلا أنذروهم العذاب وبينوا لهم الحقّ فلم ينجع ذلك فيهم (فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ) أي : الذين أنذرتهم الرسل فإنهم صاروا إلى النار. قال مقاتل : يقول كان عاقبتهم العذاب ، يحذر كفار مكة ثم استثنى عباده المؤمنين فقال : (إِلَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ) أي : إلا من أخلصهم الله بتوفيقهم إلى الإيمان والتوحيد ، وقرئ (الْمُخْلَصِينَ) بكسر اللام ، أي : الذين أخلصوا لله طاعاتهم ولم يشوبوها بشيء مما يغيرها.
وقد أخرج ابن أبي شيبة وهناد وابن المنذر عن ابن مسعود في قوله : (فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَواءِ الْجَحِيمِ). قال : اطلع ثم التفت إلى أصحابه فقال : لقد رأيت جماجم القوم تغلي. وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس قال : قول الله لأهل الجنة (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) قال هنيئا : أي لا تموتون فيها فعند ذلك قالوا : (أَفَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولى وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) قال : هذا قول الله (لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ). وأخرج ابن مردويه عن البراء بن عازب قال : كنت أمشي مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم يده في يدي ، فرأى جنازة فأسرع المشي حتى أتى القبر ، ثم جثى على ركبتيه فجعل يبكي حتى بلّ الثرى ، ثم قال : (لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ) وأخرج ابن مردويه عن أنس قال : دخلت مع النبيّ صلىاللهعليهوسلم على مريض يجود بنفسه فقال : (لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ). وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال :