اسميهما ، قرأ الجمهور (لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ) بتخفيف الصاد من التصديق ، أي : لمن المصدّقين بالبعث ، وقرئ بتشديدها ، ولا أدري من قرأ بها ، ومعناها بعيد لأنها من التصدّق لا من التصديق ، ويمكن تأويلها بأنه أنكر عليه التصدّق بماله لطلب الثواب ، وعلل ذلك باستبعاد البعث.
وقد اختلف القراء في هذه الاستفهامات الثلاثة ، فقرأ نافع الأولى والثانية بالاستفهام بهمزة ، والثالثة بكسر الألف من غير استفهام ، ووافقه الكسائي إلا أنه يستفهم الثالثة بهمزتين ، وابن عامر الأولى والثالثة بهمزتين ، والثانية بكسر الألف من غير استفهام ، والباقون بالاستفهام في جميعها. ثم اختلفوا ، فابن كثير يستفهم بهمزة واحدة غير مطوّلة ، وبعده ساكنة خفيفة ، وأبو عمرو مطوّلة ، وعاصم وحمزة بهمزتين. (قالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ) القائل هو المؤمن الذي في الجنة بعد ما حكى لجلسائه فيها ما قاله له قرينه في الدنيا ، أي : هل أنتم مطلعون إلى أهل النار لأريكم ذلك القرين الذي قال لي تلك المقالة كيف منزلته في النار؟ قال ابن الأعرابي : والاستفهام هو بمعنى الأمر ، أي : اطلعوا ، وقيل : القائل هو الله سبحانه ، وقيل : الملائكة ، والأوّل أولى (فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَواءِ الْجَحِيمِ) أي : فاطلع على النار ذلك المؤمن الذي صار يحدث أصحابه في الجنة بما قال له قرينه في الدنيا ، فرأى قرينه في وسط الجحيم. قال الزجاج : سواء كلّ شيء وسطه. قرأ الجمهور (مُطَّلِعُونَ) بتشديد الطاء مفتوحة وبفتح النون ، فاطلع ماضيا مبنيا للفاعل من الطلوع. وقرأ ابن عباس ورويت هذه القراءة عن أبي عمرو مطلعون بسكون الطاء وفتح النون (فَاطَّلَعَ) بقطع الهمزة مضمومة وكسر اللام ماضيا مبنيا للمفعول. قال النحاس : فاطلع فيه قولان على هذه القراءة أحدهما أن يكون فعلا مستقبلا ، أي : فأطلع أنا ، ويكون منصوبا على أنه جواب الاستفهام ، والقول الثاني : أن يكون فعلا ماضيا ، وقرأ حماد بن أبي عمار (مُطَّلِعُونَ) بتخفيف الطاء وكسر النون فاطلع مبنيا للمفعول ، وأنكر هذه القراءة أبو حاتم وغيره. قال النحاس : هي لحن ، لأنه لا يجوز الجمع بين النون والإضافة ، ولو كان مضافا لقال هل أنتم مطلعيّ ، وإن كان سيبويه والفراء قد حكيا مثله وأنشدا :
هم القائلون الخير والآمرونه |
|
إذا ما خشوا من محدث الدّهر معظما |
ولكنه شاذ خارج عن كلام العرب (قالَ تَاللهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ) أي قال ذلك الذي من أهل الجنة لما اطلع على قرينه ورآه في النار : تالله إن كدت لتردين : أي لتهلكني بالإغواء. قال الكسائي : لتردين لتهلكني ، والردى : الهلاك. قال المبرد : لو قيل لتردين لتوقعني في النار لكان جائزا. قال مقاتل : المعنى والله لقد كدت أن تغويني فانزل منزلتك ، والمعنى متقارب ، فمن أغوى إنسانا فقد أهلكه (وَلَوْ لا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ) أي : لو لا رحمة ربي ، وإنعامه عليّ بالإسلام ، وهدايتي إلى الحقّ ، وعصمتي عن الضلال لكنت من المحضرين معك في النار. قال الفراء : أي لكنت معك في النار محضرا. قال الماوردي : وأحضر لا يستعمل إلّا في الشرّ. ولما تمم كلامه مع ذلك القرين الذي هو في النار عاد إلى مخاطبة جلسائه من أهل الجنة فقال : (أَفَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ) ، والهمزة للاستفهام التقريري وفيها معنى التعجيب ، والفاء للعطف على محذوف كما في نظائره ، أي : أنحن مخلّدون منعمون فما نحن بميتين (إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولى) التي كانت في الدنيا ، وقوله هذا