إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

فتح القدير [ ج ٤ ]

فتح القدير [ ج ٤ ]

362/667
*

لحقنا بحيّ أوّبوا السير بعد ما

دفعنا شعاع الشمس والطرف مجنح

قرأ الجمهور (أَوِّبِي) بفتح الهمزة وتشديد الواو على صيغة الأمر ، من التأويب : وهو الترجيع ، أو التسبيح ، أو السير ، أو النوح. وقرأ ابن عباس والحسن ، وقتادة ، وابن أبي إسحاق (أَوِّبِي) بضم الهمزة أمرا من آب يؤوب إذا رجع ، أي : ارجعي معه. قرأ الجمهور : (وَالطَّيْرَ) بالنصب عطفا على (فَضْلاً) على معنى : وسخرنا له الطير ، لأن إيتاءه إياها تسخيرها له ، أو عطفا على محل (يا جِبالُ) لأنه منصوب تقديرا ، إذ المعنى : نادينا الجبال والطير. وقال سيبويه وأبو عمرو بن العلاء : انتصابه بفعل مضمر على معنى وسخرنا له الطير. وقال الزجاج ، والنحاس : يجوز أن يكون مفعولا معه كما تقول : استوى الماء والخشبة. وقال الكسائي إنه معطوف على فضلا لكن على تقدير مضاف محذوف ، أي : آتيناه فضلا وتسبيح الطير. وقرأ السلمي ، والأعرج ، ويعقوب ، وأبو نوفل ، وابن أبي إسحاق ، ونصر بن عاصم ، وابن هرمز ، ومسلمة ابن عبد الملك بالرفع عطفا على لفظ الجبال ، أو على المضمر في : أوّبي ؛ لوقوع الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه (وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ) معطوف على آتيناه : أي : جعلناه لينا ليعمل به ما شاء. قال الحسن : صار الحديد كالشمع يعمله من غير نار. وقال السدّيّ : كان الحديد في يده كالطين المبلول والعجين والشمع يصرفه كيف يشاء من غير نار ولا ضرب بمطرقة ، وكذا قال مقاتل ، وكان يفرغ من عمل الدرع في بعض يوم (أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ) في : أن هذه وجهان : أحدهما أنها مصدرية على حذف الجرّ ، أي : بأن اعمل ، والثاني : أنّها المفسرة لقوله : (وَأَلَنَّا) وفيه نظر لأنها لا تكون إلا بعد القول أو ما هو في معناه. وقدّر بعضهم فعلا في معنى القول ، فقال : التقدير وأمرناه أن اعمل. وقوله : (سابِغاتٍ) صفة لموصوف محذوف ، أي دروعا سابغات ، والسابغات : الكوامل الواسعات ، يقال سبغ الدرع والثوب وغيرهما : إذا غطى كلّ ما هو عليه وفضل منه فضلة (وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ) السرد نسج الدروع ، ويقال السرد والزرد كما يقال السراد والمراد لصانع الدروع ، والسرد أيضا الخرز ، يقال سرد يسرد : إذا خرز ، ومنه سرد الكلام : إذا جاء به متواليا ، ومنه حديث عائشة لم يكن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يسرد الحديث كسردكم. قال سيبويه : ومنه سرندى : أي جريء ، ومعنى سرد الدروع إحكامها ، وأن يكون نظام حلقها ولاء غير مختلف ، ومنه قول لبيد :

سرد الدروع مضاعفا أسراده

لينال طول العيش غير مروم

وقول أبي ذؤيب الهذلي :

وعليهما مسرودتان قضاهما

داود أو صنع السّوابغ تبّع

قال قتادة : كانت الدروع قبل داود ثقالا ، فلذلك أمر هو بالتقدير فيما يجمع الخفة والحصانة ، أي : قدّر ما تأخذ من هذين المعنيين بقسطه فلا تقصد الحصانة فيثقل ولا الخفة فيزيل المنعة ، وقال ابن زيد : التقدير الذي أمر به في قدر الحلقة ، أي : لا تعملها صغيرة فتضعف ولا يقوى الدرع على الدفاع ، ولا تعملها كبيرة فتثقل على لابسها. وقيل : إن التقدير هو في المسمار : أي لا تجعل مسمار الدرع رقيقا فيقلق ولا غليظا