فإن الله غفور رحيم لهنّ. قيل : وفي هذا التفسير بعد ، لأن المكرهة على الزنا غير آثمة. وأجيب بأنها ، وإن كانت مكرهة ، فربما لا تخلو في تضاعيف الزنا عن شائبة مطاوعة إما بحكم الجبلة البشرية ، أو يكون الإكراه قاصرا عن حدّ الإلجاء المزيل للاختيار. وقيل : إن المعنى : فإن الله من بعد إكراههنّ غفور رحيم لهم : إما مطلقا ، أو بشرط التوبة. ولما فرغ سبحانه من بيان تلك الأحكام ، شرع في وصف القرآن بصفات ثلاث : الأولى : أنه آيات مبينات ، أي : واضحات في أنفسهن أو موضحات ، فتدخل الآيات المذكورة في هذه الصورة دخولا أوّليا. والصفة الثانية : كونه مثلا من الذين خلوا من قبل هؤلاء ، أي : مثلا كائنا من جهة أمثال الذين مضوا من القصص العجيبة ، والأمثال المضروبة لهم في الكتب السابقة ، فإن العجب من قصة عائشة رضي الله عنها ، هو كالعجب من قصة يوسف ومريم وما اتهما به ، ثم تبين بطلانه وبراءتهما سلام الله عليهما. والصفة الثالثة : كونه (مَوْعِظَةً) ينتفع بها المتقون خاصة ، فيقتدون بما فيه من الأوامر ، وينزجرون عما فيه من النواهي. وأما غير المتقين ، فإن الله قد ختم على قلوبهم ، وجعل على أبصارهم غشاوة عن سماع المواعظ ، والاعتبار بقصص الذين خلوا ، وفهم ما تشمل عليه الآيات البينات.
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (وَأَنْكِحُوا الْأَيامى) الآية قال : أمر الله سبحانه بالنكاح ورغبهم فيه ، وأمرهم أن يزوّجوا أحرارهم وعبيدهم ، ووعدهم في ذلك الغنى فقال : (إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ). وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي بكر الصّدّيق قال : أطيعوا الله فيما أمركم من النكاح ينجز لكم ما وعدكم من الغنى ، قال تعالى : (إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ). وأخرج عبد الرزاق في المصنف وعبد بن حميد عن قتادة قال : ذكر لنا أن عمر بن الخطاب قال : ما رأيت كرجل لم يلتمس الغنى في الباءة ، وقد وعد الله فيها ما وعد ، فقال : (إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ). وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة عنه نحوه من طريق أخرى. وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود نحوه. وأخرج البزار والدارقطني في العلل والحاكم وابن مردويه والديلمي من طريق عروة عن عائشة قالت : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «انكحوا النساء ، فإنهنّ يأتينكم بالمال». وأخرجه ابن أبي شيبة وأبو داود في مراسيله عن عروة مرفوعا إلى النبي صلىاللهعليهوسلم ولم يذكر عائشة وهو مرسل. وأخرج عبد الرزاق وأحمد والترمذي وصححه والنسائي وابن ماجة وابن حبان والحاكم وصححه والبيهقي في السنن عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ثلاثة حقّ على الله عونهم : النّاكح يريد العفاف ، والمكاتب يريد الأداء ، والغازي في سبيل الله» وقد ورد في الترغيب في مطلق النكاح أحاديث كثيرة ليس هذا موضع ذكرها. وأخرج الخطيب في تاريخه عن ابن عباس في قوله : (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً) قال : ليتزوّج من لا يجد فإن الله سيغنيه. وأخرج ابن السكن في معرفة الصحابة عن عبد الله بن صبيح عن أبيه قال : كنت مملوكا لحويطب ابن عبد العزى ، فسألته الكتابة فأبى ، فنزلت (وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ) الآية. وأخرج عبد الرزاق وعبد ابن حميد وابن جرير عن أنس بن مالك قال : سألني سيرين المكاتبة فأبيت عليه ، فأتى عمر بن الخطاب فأقبل عليّ بالدرّة وقال : كاتبه وتلا (فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً) فكاتبته. قال ابن كثير : إن إسناده