وتفكر ، وتسمعون هذه المواعظ سماع من يفهم ويعقل حتى تنتفعوا بها (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ) لما بين سبحانه خلق السموات والأرض ، وما بينهما بين تدبيره لأمرها ، أي : يحكم الأمر بقضائه وقدره من السماء إلى الأرض ، والمعنى : ينزل أمره من أعلى السموات إلى أقصى تخوم الأرض السابعة كما قال سبحانه : (اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَ) (١) ومسافة ما بين سماء الدنيا والأرض التي تحتها نزولا وطلوعا ألف سنة من أيام الدنيا. وقيل المراد بالأمور : المأمور به من الأعمال ، أي : ينزله مدبرا من السماء إلى الأرض. وقيل : يدبر أمر الدنيا بأسباب سماوية من الملائكة ، وغيرها نازلة أحكامها وآثارها إلى الأرض. وقيل : ينزل الوحي مع جبريل. وقيل : العرش موضع التدبير كما أن ما دون العرش موضع التفصيل كما في قوله : (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) ... (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ) (٢) وما دون السموات موضع التصرّف. قال الله : (وَلَقَدْ صَرَّفْناهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا) (٣) ثم لما ذكر سبحانه تدبير الأمر قال : (ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) أي : ثم يرجع ذلك الأمر ويعود ذلك التدبير إليه سبحانه في يوم مقداره ألف سنة من أيام الدنيا ، وذلك باعتبار مسافة النزول من السماء ، والطلوع من الأرض كما قدّمنا. وقيل : إن المراد أنه يعرج إليه في يوم القيامة الذي مقداره ألف سنة من أيام الدنيا ، وذلك حين ينقطع أمر الدنيا ، ويموت من فيها. وقيل : هي أخبار أهل الأرض تصعد إليه مع من يرسله إليها من الملائكة ، والمعنى : أنه يثبت ذلك عنده ، ويكتب في صحف ملائكته ما عمله أهل الأرض في كلّ وقت من الأوقات ؛ إلى أن تبلغ مدة الدنيا آخرها. وقيل : معنى يعرج إليه : يثبت في علمه موجودا بالفعل في برهة من الزمان ؛ هي مقدار ألف سنة ، والمراد طول امتداد ما بين تدبير الحوادث ، وحدوثها من الزمان ، وقيل : يدبر أمر الحوادث اليومية بإثباتها في اللوح المحفوظ ؛ فتنزل بها الملائكة ، ثم تعرج إليه في زمان هو كألف سنة من أيام الدنيا. وقيل : يقضي قضاء ألف سنة فتنزل به الملائكة ، ثم تعرج بعد الألف لألف آخر. وقيل : المراد أن الأعمال التي هي طاعات يدبرها الله سبحانه ، وينزل بها ملائكته ، ثم لا يعرج إليه منها إلا الخالص بعد مدّة متطاولة لقلّة المخلصين من عباده. وقيل : الضمير في يعرج يعود إلى الملك وإن لم يجر له ذكر لأنه مفهوم من السياق ، وقد جاء صريحا في قوله : (تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ) (٤) والضمير في إليه يرجع إلى السماء على لغة من يذكرها ، أو إلى مكان الملك الذي يرجع إليه ، وهو الذي أقرّه الله فيه. وقيل المعنى : يدبر أمر الشمس في طلوعها وغروبها ، ورجوعها إلى موضعها من الطلوع في يوم كان مقداره في المسافة ألف سنة. وقيل المعنى : إن الملك يعرج إلى الله في يوم كان مقداره لو ساره غير الملك ألف سنة ، لأن ما بين السماء والأرض مسافة خمسمائة عام ، فمسافة النزول من السماء إلى الأرض ، والرجوع من الأرض إلى السماء ألف عام ، وقد رجح هذا جماعة من المفسرين منهم ابن جرير. وقيل : مسافة النزول ألف سنة ، ومسافة الطلوع ألف سنة ، روي ذلك عن الضحاك. وهذا اليوم هو عبارة عن زمان يتقدر بألف سنة ، وليس المراد به مسمى اليوم الذي هو مدّة النهار بين ليلتين ، والعرب قد تعبر عن المدة باليوم كما قال الشاعر :
__________________
(١). الطلاق : ١٢.
(٢). الرعد : ٢.
(٣). الفرقان : ٥٠.
(٤). المعارج : ٤.