يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) (١) : أي للحساب ، وقيل : بالشهادة أنهم عباده ، وقيل : مخلصون (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) بعد الموت فيحييه الحياة الدائمة (وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) أي : هين عليه لا يستصعبه ، أو أهون عليه بالنسبة إلى قدرتكم ، وعلى ما يقوله بعضكم لبعض ، وإلا فلا شيء في قدرته بعضه أهون من بعض ، بل كلّ الأشياء مستوية يوجدها بقوله : كن فتكون. قال أبو عبيد : من جعل أهون عبارة عن تفضيل شيء على شيء فقوله مردود بقوله : (وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً) (٢) وبقوله : (وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما) (٣) والعرب تحمل أفعل على فاعل كثيرا كما في قول الفرزدق :
إنّ الذي سمك السّماء بنى لنا |
|
بيتا دعائمه أعزّ وأطول |
أي : عزيزة طويلة ؛ وأنشد أحمد بن يحيى ثعلب على ذلك :
تمنّى رجال أن أموت وإن أمت |
|
فتلك سبيل لست فيها بأوحد |
أي : لست بواحد ، ومثله قول الآخر :
لعمرك إن الزّبرقان لباذل |
|
لمعروفه عند السنين وأفضل |
أي : وفاضل ، وقرأ عبد الله بن مسعود «وهو عليه هين» وقال مجاهد وعكرمة والضحاك : إن الإعادة أهون عليه ، أي : على الله من البداية ، أي : أيسر وإن كان جميعه هينا. وقيل : المراد أن الإعادة فيما بين الخلق أهون من البداية ، وقيل : الضمير في عليه للخلق ، أي : وهو أهون على الخلق لأنه يصاح بهم صيحة واحدة فيقومون ، ويقال لهم : كونوا فيكونون ، فذلك أهون عليهم من أن يكونوا نطفة ثم علقة ثم مضغة إلى آخر النشأة (وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى) قال الخليل : المثل : الصفة ، أي : وله الوصف الأعلى (فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) كما قال : (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ) (٤) أي : صفتها. وقال مجاهد : المثل الأعلى : قول لا إله إلا الله ، وبه قال قتادة ، وقال الزجاج (وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي : قوله «وهو أهون عليه» قد ضربه لكم مثلا فيما يصعب ويسهل. وقيل المثل الأعلى : هو أنه ليس كمثله شيء ، وقيل : هو أن ما أراده كان بقول كن ، وفي السموات والأرض : متعلق بمضمون الجملة المتقدّمة. والمعنى : أنه سبحانه عرف بالمثل الأعلى ، ووصف به في السموات والأرض ، ويجوز أن يتعلق بمحذوف على أنه حال من الأعلى ، أو من المثل ، أو من الضمير في الأعلى (وَهُوَ الْعَزِيزُ) في ملكه القادر الذي لا يغالب (الْحَكِيمُ) في أقواله ، وأفعاله.
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (يُبْلِسُ) قال : يبتئس. وأخرج الفريابي ، وابن جرير ، وابن المنذر وابن أبي حاتم (يُبْلِسُ) قال : يكتئب ، وعنه الإبلاس : الفضيحة. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله : (يُحْبَرُونَ) قال : يكرمون. وأخرج الديلمي عن جابر قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «إذا كان يوم القيامة قال الله : أين الذين كانوا ينزّهون أسماعهم ، وأبصارهم عن مزامير الشيطان
__________________
(١). المطففين : ٦.
(٢). النساء : ١٦٩.
(٣). البقرة : ٢٥٥.
(٤). الرعد : ٣٥.