كذبوا بآيات الله التي أنزلها على رسله ، أو بأن كذبوا ، ومن القائلين بأن السوأى جهنم : الفراء ، والزجاج ، وابن قتيبة ، وأكثر المفسرين ، وسميت سوأى : لكونها تسوء صاحبها. قال الزجاج : المعنى : ثم كان عاقبة الذين أشركوا النار بتكذيبهم آيات الله واستهزائهم ، وجملة (وَكانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ) عطف على كذبوا داخلة معه في حكم العلية على أحد القولين ، أو في حكم الاسمية لكان ، أو الخبرية لها على القول الآخر.
وقد أخرج أحمد ، والترمذي وحسنه ، والنسائي ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والطبراني في الكبير ، والحاكم وصححه ، وابن مردويه ، والبيهقي في الدلائل ، والضياء في المختارة عن ابن عباس في قوله : (الم غُلِبَتِ الرُّومُ) قال : كان المشركون يحبون أن تظهر فارس على الروم ، لأنهم كانوا أصحاب أوثان ، وكان المسلمون يحبون أن تظهر الروم على فارس ، لأنهم أصحاب كتاب ، فذكروه لأبي بكر ، فذكره أبو بكر لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أما إنّهم سيغلبون» فذكره أبو بكر لهم ، فقالوا : اجعل بيننا وبينك أجلا فإن ظهرنا كان لنا كذا وكذا ، وإن ظهرتم كان لكم كذا وكذا ، فجعل بينهم أجلا خمس سنين فلم يظهروا ، فذكر ذلك أبو بكر لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقال : ألا جعلته ـ أراه قال ـ دون العشر ، فظهرت الروم بعد ذلك ، فذلك قوله : (الم غُلِبَتِ الرُّومُ) فغلبت ، ثم غلبت بعد بقول الله (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللهِ) قال سفيان : سمعت أنهم ظهروا عليهم يوم بدر. وأخرج أبو يعلى ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، وابن عساكر عن البراء بن عازب نحوه. وزاد أنه لما مضى الأجل ، ولم تغلب الروم فارسا ، ساء النبيّ ما جعله أبو بكر من المدّة ، وكرهه وقال : «ما دعاك إلى هذا؟» قال : تصديقا لله ، ولرسوله فقال : «تعرّض لهم وأعظم الخطة واجعله إلى بضع سنين» ، فأتاهم أبو بكر فقال : هل لكم في العود فإن العود أحمد؟ قالوا نعم ، فلم تمض تلك السنون حتى غلبت الروم فارسا ، وربطوا خيولهم بالمدائن ، وبنوا رومية ، فقمر أبو بكر ، فجاء به أبو بكر يحمله إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم (١) ، فقال : «هذا السحت ، تصدّق به». وأخرج الترمذي وصححه ، والدارقطني في الأفراد ، والطبراني ، وابن مردويه ، وأبو نعيم في الدلائل ، والبيهقي في الشعب ، عن نيار بن مكرم الأسلمي قال : لما نزلت (الم غُلِبَتِ الرُّومُ) الآية كانت فارس يوم نزلت هذه الآية قاهرين الروم ، وكان المسلمون يحبون ظهور الروم عليهم ، لأنهم وإياهم أهل الكتاب ، وفي ذلك يقول الله (وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللهِ) وكانت قريش تحبّ ظهور فارس لأنهم ؛ وإياهم ليسوا أهل كتاب ، ولا إيمان ببعث ، فلما أنزل الله هذه الآية ؛ خرج أبو بكر يصيح في نواحي مكة (الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ) فقال ناس من قريش لأبي بكر : ذلك بيننا وبينكم يزعم صاحبك أن الروم ستغلب فارس في بضع سنين ، أفلا نراهنك على ذلك؟ قال بلى ، وذلك قبل تحريم الرهان ، فارتهن أبو بكر ، والمشركون ، وتواضعوا الرهان ، وقالوا لأبي بكر : لم تجعل البضع ثلاث سنين إلى تسع سنين؟ فسم بيننا وبينك وسطا ننتهي إليه ، قال : فسموا بينهم ستّ سنين ، فمضت
__________________
(١). أي : ربح أبو بكر الرهان وأخذ ما راهن عليه ، وجاء به إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم.