المعنى يتبرأ العابدون للأوثان من الأوثان ، وتتبرأ الأوثان من العابدين لها (وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) أي : يلعن كلّ فريق الآخر على التفسيرين المذكورين (وَمَأْواكُمُ النَّارُ) أي : الكفار ، وقيل : يدخل في ذلك الأوثان ، أي : هي منزلكم الذي تأوون إليه (وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ) يخلصونكم منها بنصرتهم لكم (فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ) أي : آمن لإبراهيم لوط فصدّقه في جميع ما جاء به ، وقيل : إنه لم يؤمن به إلا حين رأى النار لا تحرقه ، وكان لوط ابن أخي إبراهيم (وَقالَ إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي) قال النخعي وقتادة : الذي قال إني مهاجر إلى ربي هو إبراهيم. قال قتادة : هاجر من كوثى وهي قرية من سواد الكوفة إلى حران ثم إلى الشام ومعه ابن أخيه لوط وامرأته سارّة ، والمعنى : إني مهاجر عن دار قومي إلى حيث أعبد ربي (إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) أي : الغالب الذي أفعاله جارية على مقتضى الحكمة ، وقيل : إن القائل : إني مهاجر إلى ربي هو لوط ، والأوّل أولى لرجوع الضمير في قوله : (وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ) إلى إبراهيم ، وكذا في قوله : (وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ) ، وكذا في قوله : (وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) فإن هذه الضمائر كلها لإبراهيم بلا خلاف ، أي : منّ الله عليه بالأولاد فوهب له إسحاق ولدا له ، ويعقوب ولدا لولده إسحاق ، وجعل في ذرّيته النبوّة ، والكتاب فلم يبعث الله نبيا بعد إبراهيم إلا من صلبه ، ووحد الكتاب لأن الألف واللام فيه للجنس الشامل للكتب ، والمراد : التوراة ، والإنجيل ، والزبور ، والقرآن ، ومعنى : (وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا) أنه أعطي في الدنيا الأولاد ، وأخبره الله باستمرار النبوّة فيهم ، وذلك مما تقرّ به عينه ، ويزداد به سروره ، وقيل : أجره في الدنيا أن أهل الملل كلها تدّعيه ، وتقول هو منهم. وقيل : أعطاه في الدنيا عملا صالحا ، وعاقبة حسنة ، وإنه في الآخرة لمن الصالحين ، أي : الكاملين في الصلاح المستحقين لتوفير الأجرة ، وكثرة العطاء من الربّ سبحانه.
وقد أخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، والحاكم وصححه ، وابن مردويه عن ابن عباس قال : بعث الله نوحا وهو ابن أربعين سنة ، ولبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما ؛ يدعوهم إلى الله ، وعاش بعد الطوفان ستين سنة حتى كثر الناس وفشوا. وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة قال : كان عمر نوح قبل أن يبعث إلى قومه ، وبعد ما بعث ألفا وسبعمائة سنة. وأخرج ابن جرير عن عوف بن أبي شدّاد قال : إن الله أرسل نوحا إلى قومه ، وهو ابن خمسين وثلاثمائة سنة فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما ، ثم عاش بعد ذلك خمسين وثلاثمائة سنة. وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب ذمّ الدنيا عن أنس بن مالك قال : جاء ملك الموت إلى نوح فقال : يا أطول النبيين عمرا كيف وجدت الدنيا ولذتها؟ قال : كرجل دخل بيتا له بابان ، فقال في وسط البيت هنيهة ، ثم خرج من الباب الآخر. وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله : (وَجَعَلْناها آيَةً لِلْعالَمِينَ) قال : أبقاها الله آية ، فهي على الجوديّ. وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً) قال : تقولون كذبا. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله : (النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ) قال : هي الحياة بعد الموت ، وهو النشور. وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا في قوله : (فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ) قال : صدّق