بالقرآن كعبد الله بن سلام ، وسائر من أسلم من أهل الكتاب ، وقيل : الضمير في «من قبله» يرجع إلى محمد صلىاللهعليهوسلم ، والأوّل أولى. والضمير في «به» راجع إلى القرآن على القول الأوّل ، وإلى محمد على القول الثاني (وَإِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ قالُوا آمَنَّا بِهِ) أي : وإذا يتلى القرآن عليهم قالوا صدّقنا به (إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا) أي : الحق الذي نعرفه المنزل من ربنا (إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ) أي : مخلصين لله بالتوحيد ، أو مؤمنين بمحمد وبما جاء به ، لما نعلمه من ذكره في التوراة والإنجيل من التبشير به ، وأنه سيبعث آخر الزمان ، وينزل عليه القرآن ، والإشارة بقوله : (أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ) أي : الموصوفين بتلك الصفات ، والباء في (بِما صَبَرُوا) للسببية ، أي : بسبب صبرهم ، وثباتهم على الإيمان بالكتاب الأوّل ، والكتاب الآخر ، وبالنبيّ الأوّل ، والنبيّ الآخر (وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ) الدرء : أي : يدفعون بالاحتمال ، والكلام الحسن ما يلاقونه من الأذى. وقيل : يدفعون بالطاعة المعصية ، وقيل : بالتوبة والاستغفار من الذنوب ، وقيل : بالتوبة والاستغفار من الذنوب ، وقيل : بشهادة أن لا إله إلا الله الشرك (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) أي : ينفقون أموالهم في الطاعات ، وفيما أمر به الشرع. ثم مدحهم سبحانه بإعراضهم عن اللغو فقال : (وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ) تكرّما ، وتنزّها ، وتأدّبا بآداب الشرع ، ومثله قوله سبحانه : (وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً) (١) ، واللغو هنا : هو ما يسمعونه من المشركين من الشتم لهم ، ولدينهم ، والاستهزاء بهم (وَقالُوا لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ) لا يلحقنا من ضرر كفركم شيء ، ولا يلحقكم من نفع إيماننا شيء (سَلامٌ عَلَيْكُمْ) ليس المراد بهذا السلام سلام التحية ، ولكن المراد به سلام المتاركة ، ومعناه أمنة لكم ، وسلامة لا نجاريكم ، ولا نجاوبكم فيما أنتم فيه. قال الزجاج : وهذا قبل الأمر بالقتال (لا نَبْتَغِيالْجاهِلِينَ) أي : لا نطلب صحبتهم. وقال مقاتل : لا نريد أن نكون من أهل الجهل والسفه. وقال الكلبي : لا نحبّ دينكم الذي أنتم عليه (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ) من الناس ، وليس ذلك إليك (وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) هدايته (وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) أي : القابلين للهداية ، المستعدّين لها ، وهذه الآية نزلت في أبي طالب كما ثبت في الصحيحين وغيرهما ، وقد تقدّم ذلك في براءة. قال الزجاج : أجمع المفسرون على أنها نزلت في أبي طالب ، وقد تقرّر في الأصول أن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، فيدخل في ذلك أبو طالب دخولا أوليا (وَقالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا) أي : قال مشركو قريش ومن تابعهم : إن ندخل في دينك يا محمد ؛ نتخطف من أرضنا ، أي : يتخطفنا العرب من أرضنا : يعنون مكة ، ولا طاقة لنا بهم ، وهذا من جملة أعذارهم الباطلة ، وتعللاتهم العاطلة ، والتخطف في الأصل : هو الانتزاع بسرعة. قرأ الجمهور «نتخطف» بالجزم جوابا للشرط ، وقرأ المنقري بالرفع على الاستئناف. ثم ردّ الله ذلك عليهم ردّا مصدّرا باستفهام التوبيخ ، والتقريع فقال : (أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً) أي : ألم نجعل لهم حرما ذا أمن. قال أبو البقاء : عدّاه بنفسه لأنه بمعنى جعل كما صرّح بذلك في قوله : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً) (٢) ، ثم وصف هذا الحرم بقوله : (يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ) أي : تجمع إليه الثمرات على اختلاف أنواعها من الأراضي
__________________
(١). الفرقان : ٧٢.
(٢). العنكبوت : ٦٧.