لنأتيهم جواب قسم محذوف. قال النحاس : وسمعت ابن كيسان يقول : هي لام توكيد ولام أمر ولام خفض ، وهذا قول الحذاق من النحويين لأنهم يردون الشيء إلى أصله ، وهذا لا يتهيأ إلا لمن درب في العربية ، ومعنى «لا قبل لهم» : لا طاقة لهم بها ، والجملة في محل جرّ صفة لجنود (وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ) معطوف على جواب القسم ، أي : لنخرجنهم من أرضهم التي هم فيها (أَذِلَّةً) أي : حال كونهم أذلة بعد ما كانوا أعزّة ، وجملة (وَهُمْ صاغِرُونَ) في محل نصب على الحال ، قيل : وهي حال مؤكدة لأن الصغار هو الذلة ، وقيل : إن المراد بالصغار هنا الأسر والاستعباد ، وقيل : إن الصغار الإهانة التي تسبب عنها الذلة. ولما رجع الرسول إلى بلقيس تجهزت للمسير إلى سليمان ، وأخبر جبريل سليمان بذلك ف (قالَ) سليمان : (يا أَيُّهَا الْمَلَؤُا أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها) أي : عرش بلقيس الذي تقدّم وصفه بالعظم (قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ) أي : قبل أن تأتيني هي وقومها مسلمين. قيل : إنما أراد سليمان أخذ عرشها قبل أن يصلوا إليه ويسلموا ، لأنها إذا أسلمت وأسلم قومها لم يحلّ أخذ أموالهم بغير رضاهم. قال ابن عطية : وظاهر الروايات أن هذه المقالة من سليمان هي بعد مجيء هديتها وردّه إياها وبعثه الهدهد بالكتاب ، وعلى هذا جمهور المتأوّلين ، وقيل : استدعاء العرش قبل وصولها ليريها القدرة التي هي من عند الله ، ويجعله دليلا على نبوّته ، وقيل : أراد أن يختبر عقلها ، ولهذا (قالَ نَكِّرُوا لَها عَرْشَها) إلخ ، وقيل : أراد أن يختبر صدق الهدهد في وصفه للعرش بالعظم ، والقول الأوّل هو الذي عليه الأكثر (قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ) قرأ الجمهور بكسر العين وسكون الفاء وكسر الراء وسكون المثناة التحتية وبالتاء ، وقرأ أبو رجاء وعيسى الثقفي وابن السميقع وأبو السمال «عفرية» بفتح التحتية بعدها تاء تأنيث منقلبة هاء رويت هذه القراءة عن أبي بكر الصديق. وقرأ أبو حيان بفتح العين. والعفريت : المارد الغليظ الشديد. قال النحاس : يقال للشديد إذا كان معه خبث ودهاء عفر وعفرية وعفريت ، وقال قتادة : هو الداهية ، وقيل : هو رئيس الجنّ. قال ابن عطية : وقرأت فرقة «عفر» بكسر العين جمعه على عفار ، ومما ورد من أشعار العرب مطابقا لقراءة الجمهور وما أنشده الكسائي :
فقال شيطان لهم عفريت |
|
ما لكم مكث ولا تبييت (١) |
ومما ورد على القراءة الثانية قول ذي الرمة :
كأنّه كوكب في إثر عفرية |
|
مصوّب في سواد اللّيل منقضب |
ومعنى قول العفريت أنه سيأتي بالعرش إلى سليمان ، قبل أن يقوم من مجلسه الذي يجلس فيه للحكومة بين الناس (وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ) إني لقوي على حمله أمين على ما فيه. قيل : اسم هذا العفريت كودن ، ذكره النحاس عن وهب بن منبه ، وقال السهيلي : ذكوان ، وقيل : اسمه دعوان ، وقيل : صخر. وقوله :
__________________
(١). في القرطبي ١٣ / ٢٠٣ :
إذ قال شيطانهم العفريت |
|
ليس لكم ملك ولا تثبيت |