نملة مستلقية على قفاها رافعة قوائمها إلى السماء ، وهي تقول : اللهم إنا خلق من خلقك ليس بنا غنى عن رزقك ، فإمّا أن تسقينا وإما أن تهلكنا ، فقال سليمان للناس : ارجعوا فقد سقيتم بدعوة غيركم». وأخرج الحاكم في المستدرك عن جعفر بن محمد قال : أعطي سليمان ملك مشارق الأرض ومغاربها ، فملك سليمان سبعمائة سنة وستة أشهر ، ملك أهل الدنيا كلهم ، من الجن والإنس ، والدواب ، والطير ، والسباع ، وأعطي كل شيء ، ومنطق كل شيء ، وفي زمانه صنعت الصنائع المعجبة ، حتى إذا أراد الله أن يقبضه إليه أوحى إليه أن يستودع علم الله وحكمته أخاه ، وولد داود كانوا أربعمائة وثمانين رجلا أنبياء بلا رسالة. قال الذهبي : وقد رويت قصص في عظم ملك سليمان لا تطيب النفس بذكر شيء منها ، فالإمساك عن ذكرها أولى. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (فَهُمْ يُوزَعُونَ) قال يدفعون. وأخرج ابن جرير عنه في قوله : (فَهُمْ يُوزَعُونَ) قال : جعل لكل صنف وزعة ، تردّ أولاها على أخراها ، لئلا تتقدّمه في السير كما تصنع الملوك. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : (أَوْزِعْنِي) قال : ألهمني. وأخرج عبد بن حميد عن الحسن مثله. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه من طرق عن ابن عباس أنه سئل كيف تفقد سليمان الهدهد من بين الطير؟ قال : إن سليمان نزل منزلا فلم يدر ما بعد الماء ، وكان الهدهد يدلّ سليمان على الماء ، فأراد أن يسأله عنه ففقده ، قيل : كيف ذاك والهدهد ينصب له الفخ ، يلقى عليه التراب ، ويضع له الصبي الحبالة فيغيبها فيصيده؟ فقال : إذا جاء القضاء ذهب البصر. وأخرج عبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس في قوله : (لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً) قال : أنتف ريشه كله ، وروي نحو هذا عن جماعة من التابعين ، وروى ابن أبي حاتم عن الحسن قال : كان اسم هدهد سليمان غبر.
وأقول : من أين جاء علم هذا للحسن رحمهالله؟ وهكذا ما رواه عنه ابن عساكر أن اسم النملة حرس ، وأنها من قبيلة يقال لها بنو الشيصان ، وأنها كانت عرجاء ، وكانت بقدر الذئب ، وهو رحمهالله أورع الناس عن نقل الكذب ، ونحن نعلم أنه لم يصحّ عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم في ذلك شيء ، ونعلم أنه ليس للحسن إسناد متصل بسليمان ، أو بأحد من أصحابه ، فهذا العلم مأخوذ من أهل الكتاب ، وقد أمرنا أن لا نصدّقهم ولا نكذبهم ، فإن ترخص بالرواية عنهم لمثل ما روي «حدّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج» فليس ذلك فيما يتعلق بتفسير كتاب الله سبحانه بلا شك ، بل فيما يذكر عنهم من القصص الواقعة لهم ، وقد كرّرنا التنبيه على مثل هذا عند عروض ذكر التفاسير الغريبة. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) قال : خبر الحقّ الصدق البين. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن عكرمة قال : قال ابن عباس : كل سلطان في القرآن حجة وذكر هذه الآية ، ثم قال : وأيّ سلطان كان للهدهد؟ يعني أن المراد بالسلطان الحجة لا السلطان الذي هو الملك. وأخرج ابن أبي حاتم عنه في قوله : (أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ) قال : اطلعت على ما لم تطلع عليه. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا