فقد حلّ ولا حج له لارتكابه محظور إحرامه ، فبطل عليه كما لو تكلم في الصلاة أو أحدث فيها. قوله : (فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) أي فعليه جزاء مماثل لما قتله ، ومن النعم بيان للجزاء المماثل. قيل : المراد المماثلة في القيمة ، وقيل : في الخلقة. وقد ذهب إلى الأوّل أبو حنيفة ، وذهب إلى الثاني مالك والشافعي وأحمد والجمهور ، وهو الحق لأن البيان للماثل بالنعم يفيد ذلك ، وكذلك يفيده هديا بالغ الكعبة. وروي عن أبي حنيفة أنه يجوز إخراج القيمة ولو وجد المثل ، وأن المحرم مخير. وقرئ : فجزاؤه مثل ما قتل وقرئ : (فَجَزاءٌ مِثْلُ) على إضافة جزاء إلى مثل ، وقرئ بنصبهما على تقدير فليخرج جزاء مثل ما قتل ، وقرأ الحسن (النَّعَمِ) بسكون العين تخفيفا (يَحْكُمُ بِهِ) أي بالجزاء أو بمثل ما قتل (ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ) أي رجلان معروفان بالعدالة بين المسلمين ، فإذا حكما بشيء لزم ، وإن اختلفا رجع إلى غيرهما ، ولا يجوز أن يكون الجاني أحد الحكمين ؛ وقيل : يجوز ، وبالأوّل قال أبو حنيفة ، وبالثاني قال الشافعي في أحد قوليه : وظاهر الآية يقتضي حكمين غير الجاني. قوله : (هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ) نصب هديا على الحال أو البدل من مثل ، و (بالِغَ الْكَعْبَةِ) صفة لهديا ، لأن الإضافة غير حقيقية ، والمعنى أنهما إذا حكما بالجزاء فإنه يفعل به ما يفعل بالهدي من الإرسال إلى مكة والنحر هنالك ، والإشعار والتقليد ، ولم يرد الكعبة بعينها فإن الهدي لا يبلغها ، وإنما أراد الحرم ، ولا خلاف في هذا. قوله : (أَوْ كَفَّارَةٌ) معطوف على محل من النعم : وهو الرفع لأنه خبر مبتدأ محذوف ، و (طَعامُ مَساكِينَ) عطف بيان لكفارة أو بدل منه أو خبر مبتدأ محذوف (أَوْ عَدْلُ ذلِكَ) معطوف على طعام ؛ وقيل : هو معطوف على جزاء ، وفيه ضعف ، فالجاني مخير بين هذه الأنواع المذكورة ، وعدل الشيء ما عادله من غير جنسه ، و (صِياماً) منصوب على التمييز ، وقد قرّر العلماء عدل كل صيد من الإطعام والصيام ، وقد ذهب إلى أنّ الجاني يخير بين الأنواع المذكورة جمهور العلماء. وروي عن ابن عباس أنه لا يجزئ المحرم الإطعام والصوم إلا إذا لم يجد الهدي ، والعدل بفتح العين وكسرها لغتان وهما الميل قاله الكسائي. وقال الفراء : عدل الشيء بكسر العين مثله من جنسه ، وبفتح العين مثله من غير جنسه ، وبمثل قول الكسائي قال البصريون. قوله : (لِيَذُوقَ وَبالَ أَمْرِهِ) عليه لإيجاب الجزاء : أي أوجبنا ذلك عليه ليذوق وبال أمره ، والذوق مستعار لإدراك المشقة ، ومثله : (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ) (١) والوبال : سوء العاقبة ، والمرعى الوبيل : الذي يتأذى به بعد أكله ، وطعام وبيل : إذا كان ثقيلا. قوله : (عَفَا اللهُ عَمَّا سَلَفَ) يعني في جاهليتكم من قتلكم للصيد ، وقيل : عما سلف قبل نزول الكفارة (وَمَنْ عادَ) إلى ما نهيتم عنه من قتل الصيد بعد هذا البيان (فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ) خبر مبتدأ محذوف ؛ أي فهو ينتقم الله منه. قيل المعنى : إن الله ينتقم منه في الآخرة فيعذبه بذنبه ، وقيل : ينتقم منه بالكفارة. قال شريح وسعيد بن جبير : يحكم عليه في أوّل مرة ، فإذا عاد لم يحكم عليه بل يقال له : اذهب ينتقم الله منك : أي ذنبك أعظم من أن يكفر. قوله : (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ) الخطاب لكلّ مسلم أو للمحرمين خاصة ، وصيد البحر ما يصاد فيه ؛ والمراد بالبحر هنا كل ماء يوجد فيه صيد بحريّ وإن كان نهرا أو غديرا. قوله : (وَطَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ) الطعام لكلّ ما يطعم ، وقد تقدّم. وقد اختلف في المراد به هنا فقيل :
__________________
(١). الدخان : ٤٩.