المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته ، ويوفر الجزاء لمن كان أحسن عملا من غيره ، ويدخل في العمل الاعتقاد ، لأنه من أعمال القلب ، وقيل : المراد بالأحسن عملا : الأتمّ عقلا ، وقيل : الأزهد في الدنيا ، وقيل : الأكثر شكرا ، وقيل : الأتقى لله. قوله : (وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) ثم لما كان الابتلاء يتضمّن حديث البعث أتبع ذلك بذكره ، والمعنى : لئن قلت لهم يا محمد على ما توجبه قضية الابتلاء : إنكم مبعوثون من بعد الموت فيجازى المحسن بإحسانه والمسيئ بإساءته ، ليقولن الذين كفروا من الناس : إن هذا الذي تقوله يا محمد : إلا باطل كبطلان السحر وخدع كخدعه. ويجوز أن تكون الإشارة بهذا : إلى القرآن ، لأنه المشتمل على الإخبار بالبعث. وقرأ حمزة ، والكسائي : إن هذا إلا ساحر يعنون النبي صلىاللهعليهوسلم ، وكسرت إنّ من قوله : (إِنَّكُمْ) لأنها بعد القول. وحكى سيبويه : الفتح ، على تضمين : قلت ، معنى ذكرت ، أو على أن بمعنى علّ : أي ولئن قلت لعلكم مبعوثون ، على أن الرجاء باعتبار حال المخاطبين ، أي : توقعوا ذلك ولا تبتوا القول بإنكاره (وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ) أي : الذي تقدّم ذكره في قوله : (عَذابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ) وقيل : عذاب يوم القيامة وما بعده ، وقيل : يوم بدر (إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ) أي : إلى طائفة من الأيام قليلة ، لأن ما يحصره العدّ قليل ، والأمة اشتقاقها من الأم : وهو القصد ، وأراد بها الوقت المقصود لإيقاع العذاب ؛ وقيل : هي في الأصل : الجماعة من الناس ، وقد يسمى الحين : باسم ما يحصل فيه ، كقولك : كنت عند فلان صلاة العصر ، أي : في ذلك الحين ، فالمراد على هذا إلى حين تنقضي أمة معدودة من الناس (لَيَقُولُنَّ ما يَحْبِسُهُ) أي : أيّ شيء يمنعه من النزول؟ استعجالا له على جهة الاستهزاء والتكذيب ، فأجابهم الله بقوله : (أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ) أي : ليس محبوسا عنهم ، بل واقع بهم لا محالة ، ويوم : منصوب بمصروفا (وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) أي : أحاط بهم العذاب الذي كانوا يستعجلونه استهزاء منهم ، ووضع يستهزئون مكان يستعجلون ، لأن استعجالهم كان استهزاء منهم ، وعبر بلفظ الماضي تنبيها على تحقق وقوعه ، فكأنه قد حاق بهم.
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد قرأ : (الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ) قال : هي كلها محكمة يعني سورة هود (ثُمَّ فُصِّلَتْ) قال : ثم ذكر محمّدا صلىاللهعليهوسلم فحكم فيها بينه وبين من خالفه ، وقرأ : مثل الفريقين الآية كلها ، ثم ذكر قوم نوح ثم هود ، فكان هذا تفصيل ذلك ، وكان أوّله محكما قال : وكان أبي يقول ذلك ، يعني زيد بن أسلم. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن في قوله : (كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ) قال : أحكمت بالأمر والنهي ، وفصلت بالوعد والوعيد. وأخرج هؤلاء عن مجاهد (فُصِّلَتْ) قال : فسرت. وأخرج هؤلاء أيضا عن قتادة في الآية قال : أحكمها الله من الباطل ثم فصلها بعلمه ، فبين حلاله وحرامه وطاعته ومعصيته ، وفي قوله : (مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ) يعني من عند حكيم ، وفي قوله : (يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً) قال : فأنتم في ذلك المتاع فخذوه بطاعة الله ومعرفة حقه ، فإن الله منعم يحبّ الشاكرين وأهل الشكر في مزيد من الله ، وذلك قضاؤه الذي قضاه ؛ وفي قوله : (إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) يعني الموت ، وفي قوله : (يُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ) أي : في الآخرة. وأخرج هؤلاء