جعلكم من أهله». وأخرج الطبراني في الأوسط عن البراء مثله من قوله. وأخرج سعيد بن منصور ، وابن أبي شيبة ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، والبيهقي في الشعب ، عن أبي سعيد الخدري مثله. وأخرج سعيد بن منصور ، وابن المنذر ، والبيهقي عن ابن عباس في الآية قال : بكتاب الله وبالإسلام. وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي عنه قال : فضله : الإسلام ، ورحمته : القرآن. وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي عنه أيضا قال : بفضل الله : القرآن ، وبرحمته : حين جعلهم من أهله. وقد روي عن جماعة من التابعين نحو هذه الروايات المتقدّمة. وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر عن ابن عباس : هو خير مما يجمعون من الأموال والحرث والأنعام.
(قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَحَلالاً قُلْ آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ (٥٩) وَما ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ (٦٠) وَما تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَما تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (٦١) أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٢) الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (٦٣) لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٦٤))
أشار سبحانه بقوله (قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ) إلخ ، إلى طريق أخرى غير ما تقدّم من إثبات النبوّة ، وتقرير ذلك ما حاصله : أنكم تحكمون بتحليل البعض وتحريم البعض ، فإن كان بمجرد التشهي والهوى : فهو مهجور باتفاق العقلاء مسلمهم وكافرهم ، وإن كان لاعتقادكم أنه حكم الله فيكم وفيما رزقكم : فلا تعرفون ذلك إلا بطريق موصلة إلى الله ، ولا طريق يتبين بها الحلال من الحرام إلا من جهة الرسل الذين أرسلهم الله إلى عباده ، ومعنى أرأيتم : أخبروني ، و (ما) في محل نصب بأرأيتم المتضمن لمعنى أخبروني وقيل : إن (ما) في محل الرفع بالابتداء ، وخبرها : (آللهُ أَذِنَ لَكُمْ) و (قُلْ) في قوله : (قُلْ آللهُ أَذِنَ لَكُمْ) تكرير للتأكيد والرابط محذوف ، ومجموع المبتدأ والخبر في محل نصب بأرأيتم ، والمعنى : أخبروني الذي أنزل الله إليكم من رزق ، فجعلتم منه حراما وحلالا ، آلله أذن لكم في تحليله وتحريمه؟ (أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ)؟ وعلى الوجهين : فمن في : منه حراما ، للتبعيض ، والتقدير : فجعلتم بعضه حراما وجعلتم بعضه حلالا ، وذلك كما كانوا يفعلونه في الأنعام حسبما سبق ذلك عنهم في الكتاب العزيز ؛ ومعنى إنزال الرزق : كون المطر ينزل من جهة العلوّ ، وكذلك يقضي الأمر في أرزاق العباد في السماء على ما قد ثبت في اللوح المحفوظ من ذكره سبحانه وتعالى لكل شيء فيه. وروي عن الزجاج أن (ما) في موضع نصب بأنزل ، وأنزل بمعنى : خلق ، كما قال : (وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ) (١) (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ) (٢)
__________________
(١). الزمر : ٦.
(٢). الحديد : ٢٥.