ابن جرير عن بعض أهل العلم أنه قال : (نَظَرَ) في هذه الآية موضوع موضع قال ، أي : قال بعضهم لبعض هل يراكم من أحد. قوله : (ثُمَّ انْصَرَفُوا) أي : عن ذلك المجلس إلى منازلهم ، أو عن ما يقتضي الهداية والإيمان إلى ما يقتضي الكفر والنفاق ، ثم دعا الله سبحانه عليهم ، فقال : (صَرَفَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) أي : صرفها عن الخير وما فيه الرشد لهم والهداية ، وهو سبحانه مصرّف القلوب ومقلّبها ؛ وقيل : المعنى : أنه خذلهم عن قبول الهداية ؛ وقيل : هو دعاء لا يراد به وقوع مضمونه كقولهم : قاتله الله. ثم ذكر سبحانه السبب الذي لأجله انصرفوا عن مواطن الهداية ، أو السبب الذي لأجله استحقوا الدّعاء عليهم بقوله : (صَرَفَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) فقال : (بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ) ما يسمعونه لعدم تدبرهم وإنصافهم ، ثم ختم الله سبحانه هذه السورة بما يهوّن عنده بعض ما اشتملت عليه من التكاليف الشاقة ، فقال : (لَقَدْ جاءَكُمْ) يا معشر العرب (رَسُولٌ) أرسله الله إليكم له شأن عظيم (مِنْ أَنْفُسِكُمْ) : من جنسكم ، في كونه عربيا ، وإلى كون هذه الآية خطابا للعرب ذهب جمهور المفسرين. وقال الزجاج : هي خطاب لجميع العالم. والمعنى : (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ) جنسكم في البشرية (عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ) ما مصدرية. والمعنى : شاق عليه عنتكم ، لكونه من جنسكم ومبعوثا لهدايتكم ، والعنت : التعب لهم والمشقة عليهم بعذاب الدنيا بالسيف ونحوه ، أو بعذاب الآخرة بالنار ، أو بمجموعهما (حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ) أي : شحيح عليكم بأن تدخلوا النّار ، أو حريص على إيمانكم. والأوّل أولى ، وبه قال الفرّاء. والرؤوف والرحيم ، قد تقدّم بيان معناهما ؛ أي : هذا الرسول (بِالْمُؤْمِنِينَ) منكم أيها العرب أو الناس (رَؤُفٌ رَحِيمٌ) ثم قال مخاطبا لرسوله ، ومسليا له ، ومرشدا له إلى ما يقوله عند أن يعصى : (فَإِنْ تَوَلَّوْا) أي : أعرضوا عنك ، ولم يعملوا بما جئت به ، ولا قبلوه (فَقُلْ) يا محمد : (حَسْبِيَ اللهُ) أي : كافي الله سبحانه المنفرد بالألوهية (عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ) أي : فوّضت جميع أموري (وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) وصفه بالعظم ، لأنه أعظم المخلوقات. وقد قرأ الجمهور بالجرّ على أنه صفة لعرش. وقرأ ابن محيصن بالرفع صفة لرب. وقد رويت هذه القراءة عن ابن كثير.
وقد أخرج ابن جرير وابن حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله : (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً) قال : كان إذا نزلت سورة آمنوا بها فزادهم الله إيمانا وتصديقا وكانوا بها يستبشرون. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدّي في قوله : (رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ) قال : شكا إلى شكهم. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ) قال : يقتلون. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد نحوه وقال : بالسنة والجوع. وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال : بالعدوّ. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة قال : بالغزو في سبيل الله. وأخرج أبو الشيخ عن بكار ابن مالك قال : يمرضون في كلّ عام مرّة أو مرّتين. وأخرج ابن مردويه عن أبي سعيد قال : كانت لهم في كلّ عام كذبة أو كذبتان. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن حذيفة قال : كنا نسمع في كلّ عام كذبة أو كذبتين ، فيضلّ بها فئة من الناس كثير. وأخرج ابن جرير وابن أبي