ذلك عن عقبة بن عامر. وقيل : هو الذي يكثر التلاوة ، حكي ذلك عن ابن عباس. وقيل : إنه الفقيه ، قاله مجاهد والنخعي ، وقيل : المتضرّع الخاضع ، روي ذلك عن عبد الله بن شدّاد بن الهاد. وقيل : هو الذي إذا ذكر خطاياه استغفر لها ، روي ذلك عن أبي أيوب. وقيل : هو الشفيق ، قاله عبد العزيز بن يحيى. وقيل : إنه المعلم للخير. وقيل : إنه الرّاجع عن كلّ ما يكرهه الله ، قاله عطاء. والمطابق لمعنى الأوّاه لغة ، أن يقال : إنه الذي يكثر التأوّه من ذنوبه ، فيقول مثلا : آه من ذنوبي ، آه مما أعاقب به بسببها ، ونحو ذلك ، وبه قال الفرّاء ، وهو مرويّ عن أبي ذرّ ، ومعنى التأوّه : هو أن يسمع للصدر صوت من تنفس الصعداء. قال في الصحاح : وقد أوّه الرجل تأويها ، وتأوّه تأوّها إذا قال أوّه ، والاسم منه : آهة بالمدّ ، قال :
إذا ما قمت أرحلها بليل |
|
تأوّه آهة الرّجل الحزين |
والحليم الكثير الحلم كما تفيده صيغة المبالغة ، وهو : الذي يصفح عن الذنوب ، ويصبر على الأذى ؛ وقيل : الذي لا يعاقب أحدا قطّ إلا لله.
وقد أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن سعيد بن المسيب عن أبيه قال : لما حضرت الوفاة أبا طالب دخل النبي صلىاللهعليهوسلم وعنده أبو جهل وعبد بن أمية ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «أي عم! قل : لا إله إلا الله أحاج بها عند الله ، فقال أبو جهل وعبد الله بن أمية : يا أبا طالب : أترغب عن ملّة عبد المطلب؟ فجعل رسول الله صلىاللهعليهوسلم يعرضها عليه ، وأبو جهل وعبد الله يعاندانه بتلك المقالة ، فقال أبو طالب آخر ما كلمهم : هو على ملة عبد المطلب ، وأبى أن يقول لا إله إلا الله ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «لأستغفر لك ما لم أنه عنك» ، فنزلت : (ما كانَ لِلنَّبِيِ) الآية ، وأنزل الله في أبي طالب : (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) (١). وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والترمذي والنسائي وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ ، والحاكم وصححه ، وابن مردويه ، والبيهقي في شعب الإيمان ، والضياء في المختارة عن عليّ قال : سمعت رجلا يستغفر لأبويه وهما مشركان ، فقلت : تستغفر لأبويك وهما مشركان؟ فقال : أو لم يستغفر إبراهيم لأبيه؟ فذكرت ذلك للنبيّ صلىاللهعليهوسلم فنزلت : (ما كانَ لِلنَّبِيِ) الآية. وأخرج ابن سعد وابن عساكر عن عليّ قال : أخبرت النبي صلىاللهعليهوسلم بموت أبي طالب ، فبكى ، فقال : اذهب فغسله وكفنه وواره غفر الله له ورحمه ، ففعلت ، وجعل رسول الله صلىاللهعليهوسلم يستغفر له أياما ، ولا يخرج من بيته حتى نزل عليه : (ما كانَ لِلنَّبِيِ) الآية. وقد روي كون سبب نزول الآية استغفار النبي صلىاللهعليهوسلم لأبي طالب من طرق كثيرة ، منها : عن محمد بن كعب عند ابن أبي حاتم وأبي الشيخ وهو مرسل. ومنها : عن عمرو بن دينار عند ابن جرير وهو مرسل أيضا. ومنها : عن سعيد بن المسيب عند ابن جرير ، وهو مرسل أيضا. ومنها : عن عمر ابن الخطاب عند ابن سعد وأبي الشيخ وابن عساكر. ومنها : عن الحسن البصري عند ابن عساكر وهو مرسل. وروي أنها نزلت بسبب زيارة النبي صلىاللهعليهوسلم لقبر أمه ، واستغفاره لها ، من طريق ابن عباس عند الطبراني وابن مردويه ومن طريق ابن مسعود عند ابن أبي حاتم والحاكم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل ، وعن بريدة عند
__________________
(١). القصص : ٥٦.