لأن السابقين منهم يدخلون في قوله (وَالسَّابِقُونَ) وفي الآية تفضيل السابقين الأوّلين من المهاجرين والأنصار ، وهم الذين صلّوا القبلتين في قول سعيد بن المسيب وطائفة ، أو الذين شهدوا بيعة الرضوان ، وهي بيعة الحديبية في قول الشعبي ، أو أهل بدر في قول محمد بن كعب وعطاء بن يسار ، ولا مانع من حمل الآية على هذه الأصناف كلها ، قال أبو منصور البغدادي : أصحابنا مجمعون على أن أفضلهم الخلفاء الأربعة ، ثم الستة الباقون ، ثم البدريون ، ثم أصحاب أحد ، ثم أهل بيعة الرضوان بالحديبية. قوله (وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ) قرأ عمر ابن الخطاب رضي الله عنه (الَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ) محذوف الواو ، وصفا للأنصار على قراءته برفع الأنصار ، فراجعه في ذلك زيد بن ثابت ، فسأل أبيّ بن كعب ؛ فصدّق زيدا ؛ فرجع عمر عن القراءة المذكورة ، كما رواه أبو عبيد وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه ، ومعنى الذين اتبعوهم بإحسان : الذين اتّبعوا السابقين الأوّلين من المهاجرين والأنصار ، وهم المتأخرون عنهم من الصّحابة فمن بعدهم إلى يوم القيامة ، وليس المراد بهم : التابعين اصطلاحا ، وهم كلّ من أدرك الصحابة ولم يدرك النبي صلىاللهعليهوسلم ، بل هم من جملة من يدخل تحت الآية ، فتكون «من» في قوله (مِنَ الْمُهاجِرِينَ) على هذا للتّبعيض ، وقيل : إنها للبيان ، فيتناول المدح جميع الصحابة ، ويكون المراد بالتابعين : من بعدهم من الأمة إلى يوم القيامة. وقوله : (بِإِحْسانٍ) قيد للتابعين ، أي : والذين اتبعوهم متلبسين بإحسان في الأفعال والأقوال اقتداء منهم بالسابقين الأوّلين. قوله : (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ) خبر للمتبدأ وما عطف عليه ، ومعنى رضاه سبحانه عنهم : أنه قيل طاعاتهم ، وتجاوز عنهم ، ولم يسخط عليهم (وَرَضُوا عَنْهُ) بما أعطاهم من فضله ، ومع رضاه عنهم فقد (أَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ) في الدار الآخرة. وقرأ ابن كثير : تجري من تحتها الأنهار بزيادة من. وقرأ الباقون بحذفها والنصب على الظرفية ، وقد تقدّم تفسير جري الأنهار من تحت الجنات ، وتفسير الخلود والفوز. قوله : (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ) هذا عود إلى شرح أحوال المنافقين من أهل المدينة ومن يقرب منها من الأعراب ، وممّن حولكم : خبر مقدّم ، ومن الأعراب : بيان ، وهو في محل نصب على الحال ، ومنافقون هو المبتدأ ؛ قيل : وهؤلاء الذين هم حول المدينة من المنافقين هم جهينة ومزينة وأشجع وغفار ، وجملة (وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ) معطوفة على الجملة الأولى ؛ عطف جملة على جملة. وقيل : إن من أهل المدينة : عطف على الخبر في الجملة الأولى ، فعلى الأول : يكون المبتدأ مقدّرا ، أي : ومن أهل المدينة قوم مردوا على النفاق ، وعلى الثاني يكون التقدير : وممن حولكم من الأعراب ومن أهل المدينة منافقون مردوا ، ولكون جملة مردوا على النفاق مستأنفة لا محل لها ، وأصل مرد وتمرّد : اللين والملاسة والتجرّد ، فكأنهم تجرّدوا للنفاق ، ومنه غصن أمرد : لا ورق عليه ، وفرس أمرد : لا شعر فيه ، وغلام أمرد : لا شعر بوجهه ، وأرض مرداء : لا نبات فيها ، وصرح ممرّد : مجرّد ؛ فالمعنى : أنهم أقاموا على النفاق وثبتوا عليه ولم ينثنوا عنه. قال ابن زيد : معناه لجوا فيه وأبوا غيره ، وجملة (لا تَعْلَمُهُمْ) مبينة للجملة الأولى ، وهي مردوا على النفاق ، أي : ثبتوا عليه ثبوتا شديدا ، ومهروا فيه ، حتى خفي أمرهم على رسول الله صلىاللهعليهوسلم فكيف سائر المؤمنين؟ والمراد عدم علمه صلىاللهعليهوسلم بأعيانهم لا من حيث الجملة ، فإنّ للنفاق دلائل لا تخفى