في (وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ) أي : بسبب تكذيبهم بما جاء به رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ثم أنكر عليهم فقال : (أَلَمْ يَعْلَمُوا) أي : المنافقون ، وقرئ بالفوقية خطابا للمؤمنين (أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ) أي : جميع ما يسرونه من النفاق ، وجميع ما يتناجون به فيما بينهم من الطعن على النبي صلىاللهعليهوسلم ، وعلى أصحابه ، وعلى دين الإسلام (وَأَنَّ اللهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) فلا يخفى عليه شيء من الأشياء المغيبة كائنا ما كان ، ومن جملة ذلك ما يصدر عن المنافقين. قوله : (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ) الموصول : محله النصب ، أو الرفع على الذم ، أو الجرّ بدلا من الضمير في سرّهم ونجواهم ، ومعنى (يَلْمِزُونَ) : يعيبون. وقد تقدّم تحقيقه ، والمطّوّعين : أي المتطوّعين ، والتطوّع : التبرّع. والمعنى : أنّ المنافقين كانوا يعيبون المسلمين إذا تطوّعوا بشيء من أموالهم ، وأخرجوه للصدقة ، فكانوا يقولون : ما أغنى الله عن هذا ، ويقولون : ما فعلوا هذا إلا رياء ، ولم يكن لله خالصا ، و (فِي الصَّدَقاتِ) متعلق بيلمزون ، أي : يعيبونهم في شأنها. قوله (وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ) معطوف على المطوّعين ، أي : يلمزون المتطوّعين ، ويلمزون الذي لا يجدون إلا جهدهم ؛ وقيل : معطوف على المؤمنين ، أي : يلمزون المتطوّعين من المؤمنين ، ومن الذين لا يجدون إلا جهدهم ، وقرئ (جُهْدَهُمْ) بفتح الجيم ، والجهد بالضم : الطاقة ، وبالفتح : المشقة ، وقيل : هما لغتان ، ومعناهما واحد ، وقد تقدّم بيان ذلك. والمعنى : أن المنافقين كانوا يعيبون فقراء المؤمنين الذين كانوا يتصدّقون بما فضل عن كفايتهم. قوله (فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ) معطوف على يلمزون ، أي : يستهزئون بهم لحقارة ما يخرجونه في الصدقة ، مع كون ذلك جهد المقلّ ، وغاية ما يقدر عليه ، ويتمكن منه. قوله : (سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ) أي : جازاهم على ما فعلوه من السخرية بالمؤمنين بمثل ذلك فسخر الله منهم بأن أهانهم وأذلهم وعذبهم ، والتعبير بذلك من باب المشاكلة كما في غيره ، وقيل : هو دعاء عليهم بأن يسخر الله بهم كما سخروا بالمسلمين (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) أي : ثابت مستمر شديد الألم.
وقد أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ ، والعسكري في الأمثال ، والطبراني وابن مندة والماوردي وأبو نعيم وابن مردويه والبيهقي وابن عساكر عن أبي أمامة الباهلي قال : جاء ثعلبة بن حاطب إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : يا رسول الله! ادع الله أن يرزقني مالا ، قال : ويلك يا ثعلبة! قليل تؤدّي شكره ، خير من كثير لا تطيقه ، قال : يا رسول الله! ادع الله أن يرزقني مالا ، قال : ويحك يا ثعلبة ؛ أما تحبّ أن تكون مثلي؟ فلو شئت أن يسير ربي هذه الجبال معي ذهبا لسارت ، فقال : يا رسول الله! ادع الله أن يرزقني مالا ، فو الذي بعثك بالحق إن آتاني الله مالا لأعطين كل ذي حق حقه ، قال : ويحك يا ثعلبة قليل تطيق شكره ، خير من كثير لا تطيقه ، قال : يا رسول الله! ادع الله تعالى ، فقال يا رسول الله صلىاللهعليهوسلم : اللهمّ ارزقه مالا ؛ قال : فاتخذ غنما فنمت كما تنمو الدود حتى ضاقت بها المدينة ، فتنحى بها فكان يشهد الصلاة بالنهار مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم ولا يشهدها بالليل ، ثم نمت كما تنمو الدود ، فتنحى بها ، فكان لا يشهد الصلاة بالليل ولا بالنهار إلا من جمعة إلى جمعة مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ثم نمت كما تنمو الدود فضاق بها مكانه ، فتنحى بها فكان لا يشهد جمعة ولا جنازة مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فجعل يتلقى الركبان ويسألهم عن الأخبار ، وفقده