هو همهم بقتل رسول الله صلىاللهعليهوسلم ليلة العقبة في غزوة تبوك ، وقيل : هموا بعقد التاج على رأس عبد الله بن أبيّ ؛ وقيل : هو همّ الجلاس بقتل من سمعه يقول تلك المقالة ، فأخبر رسول الله صلىاللهعليهوسلم. قوله : (وَما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ) أي : وما عابوا وأنكروا إلا ما هو حقيق بالمدح والثناء ، وهو إغناء الله لهم من فضله ، والاستثناء مفرّغ من أعمّ العامّ ، وهو من باب قول النابغة :
ولا عيب فيهم غير أنّ سيوفهم |
|
بهنّ فلول من قراع الكتائب |
ومن باب قول الشاعر :
ما نقموا من بني أميّة إلّا |
|
أنّهم يحلمون إن غضبوا |
فهو من تأكيد المدح بما يشبه الذم. وقد كان هؤلاء المنافقون في ضيق من العيش ، فلما قدم النبي صلىاللهعليهوسلم المدينة اتسعت معيشتهم وكثرت أموالهم. قوله : (فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ) أي : فإن تحصل منهم التوبة والرجوع إلى الحق يكن ذلك الذي فعلوه من التوبة خيرا لهم في الدين والدنيا. وقد تاب الجلاس بن سويد ، وحسن إسلامه. وفي ذلك دليل على قبول التوبة من المنافق والكافر.
وقد اختلف العلماء في قبولها من الزنديق ، فمنع من قبولها مالك وأتباعه ، لأنه لا يعلم صحة توبته ، إذ هو في كل حين يظهر التوبة والإسلام (وَإِنْ يَتَوَلَّوْا) أي : يعرضوا عن التوبة والإيمان (يُعَذِّبْهُمُ اللهُ عَذاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيا) بالقتل والأسر ونهب الأموال (وَ) في (الْآخِرَةِ) بعذاب النار (وَما لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍ) يواليهم (وَلا نَصِيرٍ) ينصرهم.
وقد أخرج ابن إسحاق ، وابن أبي حاتم عن كعب بن مالك قال : لما نزل القرآن فيه ذكر المنافقين قال الجلاس : والله لئن كان هذا الرجل صادقا لنحن شرّ من الحمير ، فسمعها عمير بن سعد ، فقال : والله يا جلاس إنك لأحبّ الناس إليّ ، وأحسنهم عندي أثرا ، وأعزّهم أن يدخل عليه شيء يكرهه ، وقد قلت مقالة لئن ذكرتها لتفضحنك ، ولئن سكت عنها لتهلكني ، ولإحداهما أشدّ عليّ من الأخرى ، فمشى إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فذكر له ما قال الجلاس ، فحلف بالله ما قال : ولكن كذب عليّ عمير ، فأنزل الله : (يَحْلِفُونَ بِاللهِ ما قالُوا) الآية. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس نحوه. وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، وابن مردويه ، والبيهقي في الدلائل عن أنس بن مالك قال : سمع زيد بن أرقم رجلا من المنافقين يقول والنبي صلىاللهعليهوسلم يخطب : إن كان هذا صادقا لنحن شرّ من الحمير ؛ قال زيد : هو والله صادق وأنت شرّ من الحمار ، فرفع ذلك إلى النبيّ صلىاللهعليهوسلم فجحد القائل ، فأنزل الله : (يَحْلِفُونَ بِاللهِ ما قالُوا) الآية. وأخرج ابن جرير ، والطبراني ، وأبو الشيخ ، وابن مردويه عن ابن عباس قال : كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم جالسا في ظلّ شجرة فقال : إنه سيأتيكم إنسان ينظر إليكم بعيني شيطان ، فإذا جاءكم فلا تكلموه ، فلم يلبثوا أن طلع رجل أزرق ، فدعاه رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : علام تشتمني أنت وأصحابك؟ فانطلق الرجل فجاء بأصحابه ، فحلفوا بالله ما قالوا حتى تجاوز عنهم ، وأنزل الله : (يَحْلِفُونَ بِاللهِ ما قالُوا) الآية. وأخرج