وقيل المعنى : فعلتم كأفعال الذين من قبلكم في ترك الأمر بالمعروف والنّهى عن المنكر ، فحذف المضاف. ثم وصف حال أولئك الكفّار الذين من قبلهم ، وبين وجه تشبيههم بهم ، وتمثيل حالهم بحالهم ، بأنهم كانوا أشدّ من هؤلاء المنافقين والكفار المعاصرين للنبي صلىاللهعليهوسلم (قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوالاً وَأَوْلاداً فَاسْتَمْتَعُوا) أي : تمتعوا (بِخَلاقِهِمْ) أي : نصيبهم الذي قدّره الله لهم من ملاذ الدنيا (فَاسْتَمْتَعْتُمْ) أنتم (بِخَلاقِكُمْ) أي : نصيبكم الذي قدّره الله لكم (كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ) أي : انتفعتم به كما انتفعوا به ، والغرض من هذا التمثيل ذمّ هؤلاء المنافقين والكفار بسبب مشابهتهم لمن قبلهم من الكفار في الاستمتاع بما رزقهم الله. وقد قيل : ما فائدة ذكر الاستمتاع بالخلاق في حقّ الأولين مرّة ، ثم في حقّ المنافقين ثانيا ، ثم تكريره في حقّ الأوّلين ثالثا؟ وأجيب بأنه تعالى ذمّ الأوّلين بالاستمتاع بما أوتوا من حظوظ الدنيا ، وحرمانهم عن سعادة الآخرة بسبب استغراقهم في تلك الحظوظ ، فلما قرّر تعالى هذا ؛ عاد فشبه حال المنافقين بحالهم ؛ فيكون ذلك نهاية في المبالغة. قوله (وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا) معطوف على ما قبله ، أي : كالفوج الذي خاضوا ، أو كالخوض الذي خاضوا ؛ وقيل : أصله كالذين ، فحذفت النون ، والأولى أن يقال : إن الذي : اسم موصول مثل : من وما ، يعبر به عن الواحد والجمع. يقال : خضت الماء أخوضه خوضا وخياضا ، والموضع : مخاضة ، وهو ما جاز الناس فيه مشاة وركبانا ، وجمعها : المخاض والمخاوض ؛ ويقال منه : خاض القوم في الحديث ، وتخاوضوا فيه ، أي : تفاوضوا فيه ، والمعنى : خضتم في أسباب الدنيا واللهو واللعب ؛ وقيل : في أمر محمد صلىاللهعليهوسلم بالتكذيب ، أي : دخلتم في ذلك ، والإشارة بقوله : (أُولئِكَ) إلى المتصفين بهذه الأوصاف من المشبهين ، والمشبه بهم (حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ) أي : بطلت ، والمراد بالأعمال : ما عملوه مما هو في صورة طاعة ، لا هذه الأعمال المذكورة هنا فإنها من المعاصي ؛ ومعنى : (فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) أنها باطلة على كل حال ، أما بطلانها في الدنيا : فلأن ما يترتب على أعمالهم فيها لا يحصل لهم ، بل يصير ما يرجونه من الغنى فقرا ، ومن العزّ ذلا ، ومن القوّة ضعفا ؛ وأما في الآخرة : فلأنهم يصيرون إلى عذاب النار ، ولا ينتفعون بشيء مما عملوه من الأعمال التي يظنونها طاعة وقربة (وَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) أي : المتمكنون في الخسران الكاملون فيه في الدنيا والآخرة (أَلَمْ يَأْتِهِمْ) أي : المنافقين (نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) أي : خبرهم الذي له شأن ، وهو ما فعلوه وما فعل بهم ، ولما شبه حالهم بحالهم فيما سلف على الإجمال في المشبه بهم ذكر منهم هاهنا ست طوائف ، قد سمع العرب أخبارهم ، لأن بلادهم وهي الشام قريبة من بلاد العرب ، فالاستفهام للتقرير ، وأوّلهم : قوم نوح وقد أهلكوا بالإغراق ، وثانيهم : قوم عاد وقد أهلكوا بالريح العقيم ، وثالثهم : قوم ثمود وقد أخذوا بالصيحة ، ورابعهم : قوم إبراهيم وقد سلط الله عليهم البعوض ، وخامسهم : أصحاب مدين ، وهم قوم شعيب وقد أخذتهم الرجفة. وسادسهم : أصحاب المؤتفكات ، وهي قرى قوم لوط ، وقد أهلكهم الله بما أمطر عليهم من الحجارة ؛ وسميت مؤتفكات : لأنها انقلبت بهم حتى صار عاليها سافلها ، والائتفاك : الانقلاب (أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) أي : رسل هذه الطوائف الست ؛ وقيل : رسل أصحاب المؤتفكات ؛ لأن رسولهم لوط ؛ وقد بعث إلى كل قرية من قراهم رسولا ، والفاء في (فَما كانَ اللهُ