بكر ؛ وقيل : هو للنبي صلىاللهعليهوسلم ، ويكون المراد بالسكينة النازلة عليه : عصمته عن حصول سبب من أسباب الخوف له ، ويؤيد كون الضمير في (عَلَيْهِ) للنبي صلىاللهعليهوسلم الضمير في (وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها) فإنه للنبي صلىاللهعليهوسلم لأنه المؤيد بهذه الجنود التي هي الملائكة كما كان في يوم بدر ؛ وقيل : إنه لا محذور في رجوع الضمير من (عَلَيْهِ) إلى أبي بكر ومن (وَأَيَّدَهُ) إلى النبي صلىاللهعليهوسلم ، فإن ذلك كثير في القرآن وفي كلام العرب (وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى) أي : كلمة الشرك ، وهي دعوتهم إليه ، ونداؤهم للأصنام (وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيا) قرأ الأعمش ويعقوب بنصب كلمة حملا على جعل ، وقرأ الباقون برفعها على الاستئناف. وقد ضعف قراءة النصب الفراء وأبو حاتم ، وفي ضمير الفصل ، أعني : (هِيَ) تأكيد لفضل كلمته في العلوّ وأنها المختصة به دون غيرها ، وكلمة الله : هي كلمة التوحيد ، والدعوة إلى الإسلام (وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) أي : غالب قاهر لا يفعل إلا ما فيه حكمة وصواب ، ثم لما توعد من لم ينفر مع الرسول صلىاللهعليهوسلم ، وضرب له من الأمثال ما ذكره عقبه بالأمر الجزم فقال : (انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً) أي : حال كونكم خفافا وثقالا ، قيل : المراد منفردين أو مجتمعين ، وقيل : نشاطا وغير نشاط ، وقيل : فقراء وأغنياء ، وقيل : شبابا وشيوخا ، وقيل : رجالا وفرسانا ، وقيل : من لا عيال له ومن له عيال ؛ وقيل : من يسبق إلى الحرب كالطلائع ، ومن يتأخر كالجيش ، وقيل غير ذلك. ولا مانع من حمل الآية على جميع هذه المعاني ، لأن معنى الآية : انفروا خفت عليكم الحركة أو ثقلت. قيل : وهذه الآية منسوخة بقوله تعالى (لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى) ، وقيل : الناسخ لها قوله (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ) الآية ، وقيل : هي محكمة وليست بمنسوخة ، ويكون إخراج الأعمى والأعرج بقوله (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ) (١) وإخراج الضعيف والمريض بقوله (لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى) من باب التخصيص ، لا من باب النسخ على فرض دخول هؤلاء تحت قوله : (خِفافاً وَثِقالاً) والظاهر عدم دخولهم تحت العموم. قوله : (وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ) فيه الأمر بالجهاد بالأنفس والأموال وإيجابه على العباد ، فالفقراء يجاهدون بأنفسهم ، والأغنياء بأموالهم وأنفسهم. والجهاد من آكد الفرائض وأعظمها ، وهو فرض كفاية مهما كان البعض يقوم بجهاد العدوّ وبدفعه ، فإن كان لا يقوم بالعدوّ إلا جميع المسلمين في قطر من الأرض أو أقطار وجب عليهم ذلك وجوب عين ، والإشارة بقوله : (ذلِكُمْ) إلى ما تقدّم من الأمر بالنفير والأمر بالجهاد (خَيْرٌ لَكُمْ) أي : خير عظيم في نفسه ، وخير من السكون والدعة (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) ذلك ، وتعرفون الأشياء الفاضلة وتميزونها عن المفضولة. قوله : (لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قاصِداً لَاتَّبَعُوكَ). قال الزجاج : لو كان المدعو إليه ، فحذف لدلالة ما تقدّم عليه ، والعرض : ما يعرض من منافع الدنيا. والمعنى : غنيمة قريبة غير بعيدة (وَسَفَراً قاصِداً) عطف على ما قبله ، أي : سفرا متوسطا بين القرب والبعد ، وكل متوسط بين الإفراط والتفريط فهو قاصد (وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ) قال أبو عبيدة وغيره : إن الشقة السفر إلى أرض بعيدة ، يقال منه : شقّة شاقة. قال الجوهري : الشقّة بالضم من الثياب ، والشّقّة أيضا : السفر البعيد ، وربما قالوه بالكسر ، والمراد بهذه غزوة تبوك فإنها كانت سفرة بعيدة شاقة ،
__________________
(١). الفتح : ١٧.