لا يجب فيه تشارك المتعاطفين في جميع ما ثبت للمعطوف ، كما تقول : جاءني زيد وعمرو مع قومه ، أو في ثيابه ، أو على فرسه ؛ وقيل : إن (إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ) ليس ببدل من يوم حنين ، بل منصوب بفعل مقدّر : أي اذكروا إذ أعجبتكم كثرتكم ، وحنين : واد بين مكة والطائف ، وانصرف على أنه اسم للمكان ، ومن العرب من يمنعه على أنه اسم للبقعة ، ومنه قول الشاعر :
نصروا نبيّهم وشدّوا أزره |
|
بحنين يوم تواكل الأبطال |
وإنما أعجب من أعجب من المسلمين بكثرتهم لأنهم كانوا اثني عشر ألفا ، وقيل : أحد عشر ألفا ، وقيل : ستة عشر ألفا ؛ فقال بعضهم : لن نغلب اليوم من قلّة ، فوكلوا إلى هذه الكلمة فلم تغن الكثرة شيئا عنهم ، بل انهزموا وثبت رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وثبت معه طائفة يسيرة منهم : عمه العباس وأبو سفيان بن الحارث ، ثم تراجع المسلمون ، فكان النصر والظفر. والإغناء : إعطاء ما يدفع الحاجة ؛ أي : لم تعطكم الكثرة شيئا يدفع حاجتكم ، ولم تفدكم. قوله : (بِما رَحُبَتْ) الرحب بضم الراء : السّعة ، والرّحب بفتح الراء : المكان الواسع ، والباء بمعنى مع ، وما مصدرية ، ومحل الجار والمجرور النصب على الحال. والمعنى : أن الأرض مع كونها واسعة الأطراف ؛ ضاقت عليهم بسبب ما حلّ بهم من الخوف والوجل ؛ وقيل : إن الباء بمعنى على ، أي : على رحبها (ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ) أي : انهزمتم حال كونكم مدبرين ، أي : مولين أدباركم ، جاعلين لها إلى جهة عدوّكم. قوله : (ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ) أي : أنزل ما يسكنهم فيذهب خوفهم حتى وقع منهم الاجتراء على قتال المشركين بعد أن ولوا مدبرين ، والمراد بالمؤمنين : هم الذين لم ينهزموا ، وقيل : الذين انهزموا ، والظاهر جميع من حضر منهم لأنهم ثبتوا بعد ذلك ، وقاتلوا ، وانتصروا. قوله : (وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها) هم الملائكة.
وقد اختلف في عددهم على أقوال : قيل خمسة آلاف ، وقيل : ثمانية آلاف ، وقيل : ستة عشر ألفا ، وقيل : غير ذلك ، وهذا لا يعرف إلا من طريق النبوّة ، واختلفوا أيضا هل قاتلت الملائكة في هذا اليوم أم لا؟ وقد تقدم أن الملائكة لم تقاتل إلا يوم بدر ، وأنهم إنما حضروا في غير يوم بدر ، لتقوية قلوب المؤمنين ، وإدخال الرعب في قلوب المشركين (وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا) بما وقع عليهم من القتل والأسر ، وأخذ الأموال ، وسبي الذرية ، والإشارة بقوله : (وَذلِكَ) إلى التعذيب المفهوم من عذب ، وسمى ما حلّ بهم من العذاب في هذا اليوم جزاء مع أنه غير كاف ؛ بل لا بدّ من عذاب الآخرة مبالغة في وصف ما وقع عليهم ، وتعظيما له (ثُمَّ يَتُوبُ اللهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلى مَنْ يَشاءُ) أي : من بعد هذا التعذيب على من يشاء ممن هداه منهم إلى الإسلام (وَاللهُ غَفُورٌ) يغفر لمن أذنب فتاب (رَحِيمٌ) بعباده يتفضل عليهم بالمغفرة لما اقترفوه.
وقد أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة قال : حنين : ما بين مكة والطائف ، قاتل نبيّ الله هوازن وثقيف ، وعلى هوازن مالك بن عوف ، وعلى ثقيف عبد يا ليل بن عمرو الثّقفي. وأخرج ابن المنذر عن الحسن قال : لما اجتمع أهل مكة وأهل المدينة قالوا : الآن نقاتل حين اجتمعنا ، فكره رسول الله صلىاللهعليهوسلم ما