رأسه وقال : يا رسول الله! ارفع عليّ. فتبسم رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وذهب وهو يقول : أما أحد اللذين وعد الله فقد أنجزنا وما ندري ما يصنع في الأخرى (قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى إِنْ يَعْلَمِ اللهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ) فهذا خير مما أخذ مني ، ولا أدري ما يصنع في المغفرة. والروايات في هذا الباب كثيرة ، وأخرج ابن سعد وابن عساكر عن ابن عباس في الآية قال : نزلت في الأسارى يوم بدر منهم العباس بن عبد المطلب ، ونوفل بن الحارث ، وعقيل بن أبي طالب. وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عنه في قوله : (وَإِنْ يُرِيدُوا خِيانَتَكَ) إن كان قولهم كذبا (فَقَدْ خانُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ) فقد كفروا وقاتلوك (فَأَمْكَنَ) ك الله (مِنْهُمْ).
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٧٢) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ (٧٣) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٧٤) وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٧٥))
ختم الله سبحانه هذه السورة بذكر الموالاة ؛ ليعلم كلّ فريق وليه الذي يستعين به ، وسمّى سبحانه المهاجرين إلى المدينة بهذا الاسم ، لأنهم هجروا أوطانهم وفارقوها طلبا لما عند الله ، وإجابة لداعيه (وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا) هم الأنصار ، والإشارة بقوله : (أُولئِكَ) إشارة إلى الموصول الأوّل والآخر ، وهو مبتدأ وخبره الجملة المذكورة بعده ، ويجوز أن يكون (بَعْضُهُمْ) بدلا من اسم الإشارة ، والخبر (أَوْلِياءُ بَعْضٍ) أي : بعضهم أولياء بعض في النصرة والمعونة ، وقيل : المعنى : إن بعضهم أولياء بعض في الميراث. وقد كانوا يتوارثون بالهجرة والنصرة ، ثم نسخ ذلك بقوله سبحانه : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ). قوله : (وَالَّذِينَ آمَنُوا) مبتدأ ، وخبره (ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) قرأ يحيى بن وثاب والأعمش وحمزة (مِنْ وَلايَتِهِمْ) بكسر الواو. وقرأ الباقون بفتحها ، أي : ما لكم من نصرتهم وإعانتهم ، أو من ميراثهم ، ولو كانوا من قراباتكم ؛ لعدم وقوع الهجرة منهم (حَتَّى يُهاجِرُوا) فيكون لهم ما كان للطائفة الأولى الجامعين بين الإيمان والهجرة (وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ) أي : هؤلاء الذين آمنوا ، ولم يهاجروا ، إذا طلبوا منكم النصرة لهم على المشركين (فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ) أي : فواجب عليكم النصر (إِلَّا) أن يستنصروكم (عَلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ) فلا تنصروهم ، ولا تنقضوا العهد الذي بينكم وبين أولئك القوم حتى تنقضي مدّته. قال الزجاج : ويجوز : فعليكم النصر ، بالنصب على الإغراء. قوله (وَالَّذِينَ كَفَرُوا) مبتدأ خبره (بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) أي : بعضهم ينصر بعضا ، وتولاه في أموره ، أو يرثه إذا مات ، وفيه تعريض