وجه اتصال هذا بما قبله التنبيه من الله على أن ظلم اليهود ونقضهم المواثيق والعهود هو كظلم ابن آدم لأخيه ، فالداء قديم ، والشرّ أصيل.
وقد اختلف أهل العلم في ابني آدم المذكورين هل هما لصلبه أم لا؟ فذهب الجمهور إلى الأوّل. وذهب الحسن والضحّاك إلى الثاني ، وقالا : إنهما كانا من بني إسرائيل فضرب بهما المثل في إبانة حسد اليهود ، وكانت بينهما خصومة فتقرّبا بقربانين ولم تكن القرابين إلا في بني إسرائيل. قال ابن عطية : وهذا وهم كيف يجهل صورة الدفن أحد من بني إسرائيل حتى يقتدي بالغراب؟ قال الجمهور من الصحابة فمن بعدهم : واسمهما قابيل وهابيل ، وكان قربان قابيل حزمة من سنبل ، لأنه كان صاحب زرع واختارها من أردأ زرعه ، حتى إنه وجد فيها سنبلة طيبة ففركها وأكلها ، وكان قربان هابيل كبشا لأنه كان صاحب غنم أخذه من أجود غنمه ، فتقبل قربان هابيل فرفع إلى الجنة ، فلم يزل يرعى فيها إلى أن فدي به الذّبيح عليهالسلام ، كذا قال جماعة من السلف ، ولم يتقبل قربان قابيل ، فحسده وقال : لأقتلنك. وقيل : سبب هذا القربان أن حواء كانت تلد في كل بطن ذكرا وأنثى ، إلا شيئا عليهالسلام فإنها ولدته منفردا ، وكان آدم عليهالسلام يزوّج الذكر من هذا البطن بالأنثى من البطن الآخر ، ولا تحلّ له أخته التي ولدت معه ، فولدت مع قابيل أخت جميلة واسمها إقليما ، ومع هابيل أخت ليست كذلك واسمها ليوذا فلما أراد آدم تزويجهما قال قابيل : أنا أحق بأختي ، فأمره آدم فلم يأتمر وزجره فلم ينزجر ، فاتّفقوا على القربان وأنه يتزوّجها من تقبل قربانه. قوله : (بِالْحَقِ) متعلق بمحذوف وقع صفة لمصدر (وَاتْلُ) أي تلاوة متلبسة بالحق ، أو صفة لنبأ : أي نبأ متلبسا بالحق ، والمراد بأحدهما هابيل وبالآخر قابيل ، و (قالَ : لَأَقْتُلَنَّكَ) استئناف بياني كأنه فماذا قال الذي لم يتقبل قربانه؟ وقوله : (قالَ إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) استئناف كالأوّل كأنه قيل : فماذا قال الذي تقبّل قربانه؟ وإنما للحصر : أي إنما يتقبل الله القربان من المتقين لا من غيرهم ، وكأنه يقول لأخيه : إنما أتيت من قبل نفسك لا من قبلي ، فإن عدم تقبل قربانك بسبب عدم تقواك. قوله : (لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي) أي لأن قصدت قتلي ، واللام هي الموطئة ، و (ما أَنَا بِباسِطٍ) جواب القسم سادّ مسدّ جواب الشرط ، وهذا استسلام للقتل من هابيل ، كما ورد في الحديث : «إذا كانت الفتنة فكن كخير ابني آدم» وتلا النبي صلىاللهعليهوسلم هذه الآية. قال مجاهد : كان الفرض عليهم حينئذ أن لا يسلّ أحد سيفا وأن لا يمتنع ممن يريد قتله ، قال القرطبي : قال علماؤنا : وذلك مما يجوز ورود التعبد به ، إلا أن في شرعنا يجوز دفعه إجماعا ، وفي وجوب ذلك عليه خلاف. والأصح وجوب ذلك لما فيه من النهي عن المنكر. وفي الحشوية قوم لا يجوّزون للمصول عليه الدفع ، واحتجوا بحديث أبي ذرّ ، وحمله العلماء على ترك القتال في الفتنة وكفّ اليد عند الشبهة على ما بيناه في كتاب التذكرة ، انتهى كلام القرطبي. وحديث أبي ذرّ المشار إليه هو عند مسلم وأهل السنن إلا النسائي ، وفيه «أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال له : يا أبا ذرّ أرأيت إن قتل الناس بعضهم بعضا كيف تصنع؟ قلت : الله ورسوله أعلم ، قال : اقعد في بيتك وأغلق عليك بابك ، قال : فإن لم أترك ، قال : فأت من أنت منهم فكن فيهم ، قال : فآخذ سلاحي؟ قال : إذن تشاركهم فيما هم فيه ، ولكن إن خشيت أن يردعك