يبقى عوج بن عنق وهو كافر ولد زنية؟ هذا لا يسوغ في عقل ولا شرع ، ثم في وجود رجل يقال له عوج ابن عنق نظر والله أعلم ، انتهى كلامه.
قلت : لم يأت في أمر هذا الرجل ما يقتضي تطويل الكلام في شأنه ، وما هذا بأوّل كذبة اشتهرت في الناس ، ولسنا بملزومين بدفع الأكاذيب التي وضعها القصاص ونفقت عند من لا يميز بين الصحيح والسقيم ، فكم في بطون دفاتر التفاسير من أكاذيب وبلايا وأقاصيص كلها حديث خرافة ، وما أحقّ من لا تمييز عنده لفنّ الرواية ولا معرفة به أن يدع التعرّض لتفسير كتاب الله ، ويضع هذه الحماقات والأضحوكات في المواضع المناسبة لها من كتب القصاص. قوله : (فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنَّا داخِلُونَ) هذا تصريح بما هو مفهوم من الجملة التي قبل هذه الجملة لبيان أن امتناعهم من الدخول ليس إلا لهذا السبب. قوله : (قالَ رَجُلانِ) هما يوشع وكالب بن يوفنا أو ابن فانيا ، وكانا من الاثني عشر نقيبا كما مرّ بيان ذلك. وقوله : (مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ) أي يخافون من الله عزوجل ؛ وقيل من الجبارين أي هذان الرجلان من جملة القوم الذين يخافون من الجبارين ؛ وقيل : من الذين يخافون ضعف بني إسرائيل وجبنهم وقيل : إن الواو في (يَخافُونَ) لبني إسرائيل : أي من الذين يخافهم بنو إسرائيل. وقرأ مجاهد وسعيد بن جبير (يَخافُونَ) بضم الياء : أي يخافهم غيرهم. قوله : (أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمَا) في محل رفع على أنه صفة ثانية لرجلان ، بالإيمان واليقين بحصول ما وعدوا به من النصر والظفر (ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ) أي باب بلد الجبارين (فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ) قالا : هذه المقالة لبني إسرائيل. والظاهر أنهما قد علما بذلك من خبر موسى ، أو قالاه ثقة بوعد الله ، أو كانا قد عرفا أن الجبارين قد ملئت قلوبهم خوفا ورعبا (قالُوا) أي بنو إسرائيل لموسى (إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً ما دامُوا فِيها) وكان هذا القول منهم فشلا وجبنا أو عنادا وجرأة على الله وعلى رسوله (فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا) قالوا : هذا جهلا بالله عزوجل وبصفاته وكفرا بما يجب له ، أو استهانة بالله ورسوله ؛ وقيل : أرادوا بالذهاب الإرادة والقصد ؛ وقيل : أرادوا بالربّ هارون ، وكان أكبر من موسى ، وكان موسى يطيعه (إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ) أي لا نبرح هاهنا ، لا نتقدّم معك ولا نتأخر عن هذا الموضع ؛ وقيل : أرادوا بذلك عدم التقدم لا عدم التأخر (قالَ) موسى (رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي) يحتمل أن يعطف وأخي على نفسي ، وأن يعطف على الضمير في (إِنِّي) أي إني لا أملك إلا نفسي وإن أخي لا يملك إلا نفسه ، قال هذا تحسرا وتحزنا واستجلابا للنصر من الله عزوجل (فَافْرُقْ بَيْنَنا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ) أي افصل بيننا : يعني نفسه وأخاه وبين القوم الفاسقين ، وميزنا عن جملتهم ، ولا تحلقنا بهم في العقوبة ؛ وقيل المعنى : فاقض بيننا وبينهم ، وقيل : إنما أراد في الآخرة. وقرأ عبيد بن عمير (فَافْرُقْ) بكسر الراء. (قالَ فَإِنَّها) أي الأرض المقدّسة. (مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ) أي على هؤلاء العصاة بسبب امتناعهم من قتال الجبارين (أَرْبَعِينَ سَنَةً) ظرف للتحريم : أي أنه محرّم عليهم دخولها هذه المدّة لا زيادة عليها ، فلا يخالف هذا التحريم ما تقدّم من قوله : (الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ) فإنها مكتوبة لمن بقي منهم بعد هذه المدّة ؛ وقيل : إنه لم يدخلها أحد من قال : (إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها) فيكون توقيت التحريم بهذه المدّة باعتبار ذراريهم ؛ وقيل : إن (أَرْبَعِينَ سَنَةً)