حال هذه الأصنام ، وتعاور وجوه النقص والعجز لها من كل باب ، أمره الله بأن يقول لهم ادعوا شركاءكم الذين تزعمون أن لهم قدرة على النفع والضرّ (ثُمَّ كِيدُونِ) أنتم وهم جميعا بما شئتم من وجوه الكيد (فَلا تُنْظِرُونِ) أي : فلا تمهلوني ، ولا تؤخرون إنزال الضرر بي من جهتها ، والكيد : المكر ، وليس بعد هذا التحدّي لهم والتعجيز لأصنامهم شيء ، ثم قال لهم : (إِنَّ وَلِيِّيَ اللهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ) أي : كيف أخاف هذه الأصنام التي هذه صفتها ولي وليّ ألجأ إليه وأستنصر به وهو الله عزوجل (الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ) وهذه الجملة تعليل لعدم المبالاة بها ، ووليّ الشيء هو الذي يحفظه ويقوم بنصرته ، ويمنع منه الضّرر (وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ) أي : يحفظهم وينصرهم ، ويحول ما بينهم وبين أعدائهم قال الأخفش : وقرئ (إِنَّ وَلِيِّيَ اللهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ) يعني : جبريل. قال النحاس : هي قراءة عاصم الجحدري والقراءة الأولى أبين ، لقوله (وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ). قوله (وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ) كرّر سبحانه هذا لمزيد التأكيد والتقرير ، ولما في تكرار التّوبيخ والتّقريع من الإهانة للمشركين والتنقيص بهم ، وإظهار سخف عقولهم ، وركاكة أحلامهم (وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ) جملة مبتدأة لبيان عجزهم ، أو حالية ، أي : والحال أنك تراهم ينظرون إليك حال كونهم لا يبصرون ، والمراد : الأصنام إنهم يشبهون النّاظرين ، ولا أعين لهم يبصرون بها ، قيل : كانوا يجعلون للأصنام أعينا من جواهر مصنوعة ، فكانوا بذلك في هيئة الناظرين ولا يبصرون ، وقيل : المراد بذلك المشركون ، أخبر الله عنهم بأنهم لا يبصرون حين لم ينتفعوا بأبصارهم ، وإن أبصروا بها غير ما فيه نفعهم.
وقد أخرج أبو الشيخ عن سعيد بن جبير قال : يجاء بالشمس والقمر حتى يلقيا بين يدي الله تعالى ، ويجاء بمن كان يعبدهما ، فيقال (فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ). وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدّي في قوله (وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ) قال : هؤلاء المشركون. وأخرج هؤلاء أيضا عن مجاهد في قوله (وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ) ما تدعوهم إليه من الهدى.
(خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ (١٩٩) وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٠٠) إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ (٢٠١) وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ (٢٠٢) وَإِذا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قالُوا لَوْ لا اجْتَبَيْتَها قُلْ إِنَّما أَتَّبِعُ ما يُوحى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هذا بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٢٠٣) وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٢٠٤) وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ (٢٠٥) إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ (٢٠٦))
قوله (خُذِ الْعَفْوَ) لما عدّد الله ما عدده من أحوال المشركين وتسفيه رأيهم وضلال سعيهم ؛ أمر رسوله