مصر والشام ، ومشارقها : جهات مشرقها. ومغاربها : جهات مغربها ، وهي التي كانت لفرعون وقومه من القبط ؛ وقيل : المراد جميع الأرض لأن داود وسليمان من بني إسرائيل ، وقد ملكا الأرض. قوله (الَّتِي بارَكْنا فِيها) صفة للمشارق والمغارب ؛ وقيل : صفة الأرض ، والمباركة فيها : إخراج الزرع والثمار منها على أتمّ ما يكون وأنفع ما ينفع ، قوله (تَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى) أي : مضت واستمرت على التمام ، والكلمة هي (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ) (١) ، وهذا وعد من الله سبحانه بالنّصر والظفر بالأعداء والاستيلاء على أملاكهم ، والحسنى : صفة للكلمة ، وهي تأنيث الأحسن ، وتمام هذه الكلمة (عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ) بسبب صبرهم على ما أصيبوا به من فرعون وقومه. قوله (وَدَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ) التدمير : الإهلاك ، أي : أهلكنا بالخراب ما كانوا يصنعونه من العمارات (وَما كانُوا يَعْرِشُونَ) قرأ ابن عامر وأبو بكر عن عاصم (يَعْرِشُونَ) بضم الراء. قال الكسائي : هي لغة تميم. وقرأ إبراهيم بن أبي عبلة (يَعْرِشُونَ) بتشديد الراء وضم حرف المضارعة. وقرأ الباقون بكسر الراء مخففة أي : ما كانوا يعرشونه من الجنات ، ومنه قوله تعالى (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ) (٢) وقيل معنى يعرشون : يبنون ، يقال : عرش يعرش ، أي : بنى يبني. قوله (وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ) هذا شروع في بيان ما فعله بنو إسرائيل بعد الفراغ مما فعله فرعون وقومه. ومعنى جاوزنا ببني إسرائيل البحر : جزناه بهم وقطعناه. وقرئ جوزنا بالتشديد ، وهو بمعنى قراءة الجمهور (فَأَتَوْا عَلى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ) قرأ حمزة والكسائي «يعكفون» بكسر الكاف ، وقرأ الباقون بضمها ، يقال عكف يعكف ، ويعكف بمعنى : أقام على الشيء ولزمه ، والمصدر منهما عكوف ؛ قيل هؤلاء القوم الذين أتاهم بنو إسرائيل هم من لخم كانوا نازلين بالرقة ، كانت أصنامهم تماثيل بقر ؛ وقيل كانوا من الكنعانيين (قالُوا) أي : بنو إسرائيل عند مشاهدتهم لتلك التماثيل (يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً) أي : صنما كائنا كالذي لهؤلاء القوم ، فالكاف متعلق بمحذوف وقع صفة لإلهاً ، فأجاب عليهم موسى ، و (قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ) وصفهم بالجهل لأنهم قد شاهدوا من آيات الله ما يزجر من له أدنى علم عن طلب عبادة غير الله ، ولكن هؤلاء القوم ، أعني : بني إسرائيل أشد خلق الله عنادا وجهلا وتلوّنا. وقد سلف في سورة البقرة بيان ما جرى منهم من ذلك ، ثم قال لهم موسى : (إِنَّ هؤُلاءِ) يعني القوم العاكفين على الأصنام (مُتَبَّرٌ ما هُمْ فِيهِ) التبار : الهلاك ، وكل إناء منكسر فهو متبر ، أي : أن هؤلاء هالك ما هم فيه مدمّر مكسر ، والذي هم فيه : هو عبادة الأصنام ، أخبرهم بأن هذا الدين الذي هؤلاء القوم عليه هالك مدمّر لا يتمّ منه شيء. قوله (وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) أي ذاهب مضمحل جميع ما كانوا يعملونه من الأعمال مع عبادتهم للأصنام. قال في الكشاف : وفي إيقاع هؤلاء اسما لإن وتقديم خبر المبتدأ من الجملة الواقعة خبرا لها ، وسم لعبدة الأصنام بأنهم هم المعرّضون للتبار ، وأنه لا يعدوهم ألبتة ، وأنه لهم ضربة لازب ليحذرهم عاقبة ما طلبوا ويبغض إليهم ما أحبوا. قوله (أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِيكُمْ إِلهاً) الاستفهام للإنكار والتوبيخ ، أي : كيف أطلب لكم غير الله إلها تعبدونه وقد شاهدتم من آياته العظام ما يكفي البعض منه؟ والمعنى : أن هذا الذي طلبتم لا يكون
__________________
(١). القصص : ٥.
(٢). الأنعام : ١٤١.