فيه الآن من الخوف على أنفسنا وأولادنا وأهلنا ؛ وقيل : إن الأذى من قبل ومن بعد واحد ، وهو قبض الجزية منهم ، وجملة (قالَ عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ) مستأنفة كالتي قبلها ، وعدهم بإهلاك الله لعدوّهم ، وهو فرعون وقومه. قوله : (وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ) هو تصريح بما رمز إليه سابقا من أن الأرض لله. وقد حقّق الله رجاءه ، وملكوا مصر في زمان داود وسليمان ، وفتحوا بيت المقدس مع يوشع بن نون ، وأهلك فرعون وقومه بالغرق وأنجاهم (فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) من الأعمال بعد أن يمنّ عليكم بإهلاك عدوّكم (وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ) فيجازيكم بما عملتم فيه من خير وشرّ.
وقد أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله : (إِنَّ هذا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ) إذ التقيتما لتظاهرا ، فتخرجا منها أهلها (لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ) الآية ، قال : فقتلهم وقطعهم كما قال. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : كان أوّل من صلب فرعون ، وهو أوّل من قطع الأيدي والأرجل من خلاف. وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله : (مِنْ خِلافٍ) قال : يدا من هاهنا ورجلا من هاهنا. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله : (أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا وَمِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا) قال : من قبل إرسال الله إياك ومن بعده. وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن وهب بن منبه في الآية قال : قالت بنو إسرائيل لموسى كان فرعون يكلّفنا اللبن قبل أن تأتينا ، فلما جئت كلّفنا اللّبن مع التبن أيضا ، فقال موسى : أي ربّ! أهلك فرعون ، حتى متى تبقيه؟ فأوحى الله إليه أنهم لم يعملوا الذنب الذي أهلكهم به. وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في الآية قال : حزا (١) لعدوّ الله حاز أنه يولد في العام غلام يسلب ملكك ، قال : فتتبع أولادهم في ذلك العام بذبح الذكر منهم ، ثم ذبحهم أيضا بعد ما جاءهم موسى. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : إن بناء ـ أهل البيت ـ يفتح ويختم ، ولا بدّ أن تقع دولة لبني هاشم فانظروا فيمن تكونوا من بني هاشم؟ وفيهم نزلت (عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ). وينبغي أن ينظر في صحة هذا عن ابن عباس ، فالآية نازلة في بني إسرائيل لا في بني هاشم واقعة في هذه القصة الحاكية لما جرى بين موسى وفرعون.
(وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (١٣٠) فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا لَنا هذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ أَلا إِنَّما طائِرُهُمْ عِنْدَ اللهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (١٣١) وَقالُوا مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنا بِها فَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (١٣٢) فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ وَالْجَرادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفادِعَ وَالدَّمَ آياتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ (١٣٣) وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قالُوا يا مُوسَى ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ
__________________
(١). قال في القاموس : حزا : تكهن.