بعهده ويحافظ عليه ، وإن في (وَإِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ) هي المخففة من الثقيلة ، وضمير الشأن محذوف ، أي : أن الشأن وجدنا أكثرهم لفاسقين ، أو هي النافية ، واللام في (لَفاسِقِينَ) بمعنى إلا : أي إلا فاسقين ، خارجين عن الطاعة خروجا شديدا.
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبيّ بن كعب في قوله : (فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ) قال : كان في علم الله يوم أقرّوا بالميثاق من يكذّب به ممن يصدّق به. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله : (فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ) قال : مثل قوله : (وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ). وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله : (وَما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ) قال : الوفاء. وأخرج ابن أبي حاتم في الآية قال : هو ذاك العهد يوم أخذ الميثاق. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ نحوه. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (وَإِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ) قال : ذاك أن الله إنما أهلك القرى لأنهم لم يكونوا حفظوا ما وصاهم به.
(ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ فَظَلَمُوا بِها فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (١٠٣) وَقالَ مُوسى يا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٠٤) حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللهِ إِلاَّ الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائِيلَ (١٠٥) قالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِها إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (١٠٦) فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ (١٠٧) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ (١٠٨) قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ (١٠٩) يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَما ذا تَأْمُرُونَ (١١٠) قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ (١١١) يَأْتُوكَ بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ (١١٢) وَجاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قالُوا إِنَّ لَنا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ (١١٣) قالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (١١٤) قالُوا يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ (١١٥) قالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجاؤُ بِسِحْرٍ عَظِيمٍ (١١٦) وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ (١١٧) فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١١٨) فَغُلِبُوا هُنالِكَ وَانْقَلَبُوا صاغِرِينَ (١١٩) وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ (١٢٠) قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ (١٢١) رَبِّ مُوسى وَهارُونَ (١٢٢))
قوله : (ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى) أي : من بعد نوح وهود وصالح ولوط وشعيب ، أي : ثم أرسلنا موسى بعد إرسالنا لهؤلاء الرسل ؛ وقيل الضمير في (مِنْ بَعْدِهِمْ) راجع إلى الأمم السابقة ، أي : من بعد إهلاكهم (إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ) فرعون : هو لقب لكلّ من يملك أرض مصر بعد العمالقة ، وملأ فرعون : أشراف قومه ، وتخصيصهم بالذّكر مع عموم الرسالة لهم ولغيرهم ؛ لأنّ من عداهم كالأتباع لهم. قوله :