ابن فارس في المجمل عن قوم أنهم قالوا : الماضي عابر بالعين المهملة ، والباقي غابر بالمعجمة. وقال الزجاج : (مِنَ الْغابِرِينَ) أي : من الغائبين عن النجاة. وقال أبو عبيد : المعنى (مِنَ الْغابِرِينَ) أي : من المعمرين وكانت قد هرمت ، وأكثر أهل اللغة على أن الغابر : الباقي. قوله (وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً) قيل : أمطر بمعنى إرسال المطر. وقال أبو عبيدة : مطر في الرحمة وأمطر في العذاب ، والمعنى هنا : أن الله أمطر عليهم مطرا غير ما يعتادونه وهو رميهم بالحجارة كما في قوله (وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ) (١) (فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ) هذا خطاب لكل من يصلح له ، أو لمحمد صلىاللهعليهوسلم ، وسيأتي في هود قصة لوط بأبين مما هنا.
وقد أخرج ابن أبي الدنيا وابن أبي حاتم وأبو الشيخ ، والبيهقي في شعب الإيمان ، وابن عساكر عن ابن عباس في قوله : (أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ) قال : أدبار الرجال. وأخرج ابن عساكر عن ابن عباس قال : إنما كان بدء عمل قوم لوط : أن إبليس جاءهم في هيئة صبيّ ، أجمل صبيّ رآه الناس ، فدعاهم إلى نفسه فنكحوه ثم جسروا على ذلك. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر عنه في قوله : (إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ) قال : من أدبار الرجال ومن أدبار النساء. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : (إِلَّا امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ) قال : من الباقين في عذاب الله. وأخرج أبو الشيخ عن سعيد بن أبي عروبة قال : كان قوم لوط أربعة آلاف ألف.
(وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٨٥) وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَها عِوَجاً وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (٨٦) وَإِنْ كانَ طائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ بَيْنَنا وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ (٨٧) قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا قالَ أَوَلَوْ كُنَّا كارِهِينَ (٨٨) قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللهِ كَذِباً إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللهُ مِنْها وَما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّنا وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ (٨٩) وَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ (٩٠) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ (٩١) الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كانُوا هُمُ الْخاسِرِينَ (٩٢) فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسى عَلى قَوْمٍ كافِرِينَ (٩٣))
قوله : (وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً) معطوف على ما تقدّم ، أي : وأرسلنا. ومدين : اسم قبيلة ،
__________________
(١). الحجر : ٧٤.