البيت : سقفه ، وعرش البئر : طيها بالخشب ، وعرش السماك : أربعة كواكب صغار ، ويطلق على الملك والسلطان والعزّ ومنه قول زهير :
تداركتما عبسا وقد ثلّ عرشها |
|
وذبيان إذ زلّت بأقدامها النّعل |
وقول الآخر :
إن يقتلوك فقد ثللت عروشهم |
|
بعتيبة بن الحرث بن شهاب |
وقول الآخر :
رأوا عرشي تثلّم جانباه |
|
فلمّا أن تثلّم أفردوني |
وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة صفة عرش الرحمن وإحاطته بالسموات والأرض وما بينهما وما عليهما ، وهو المراد هنا. قوله (يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ) أي : يجعل الليل كالغشاء للنهار فيغطي بظلمته ضياءه. وقرأ عاصم وحمزة والكسائي يغشي بالتشديد ، وقرأ الباقون بالتخفيف وهما لغتان ، يقال : أغشى يغشي ، وغشى يغشى ، والتغشية في الأصل : إلباس الشيء الشيء ، ولم يذكر في هذه الآية يغشى الليل بالنهار اكتفاء بأحد الأمرين عن الآخر كقوله تعالى (سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ) (١). وقرأ حميد بن قيس : (يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ) على إسناد الفعل إلى الليل ، ومحل هذه الجملة النصب على الحال ، والتقدير : استوى على العرش مغشيا الليل النهار ، وهكذا قوله (يَطْلُبُهُ حَثِيثاً) حال من الليل ، أي : حال كون الليل طالبا للنهار طلبا حثيثا لا يفتر عنه بحال ، وحثيثا صفة مصدر محذوف ، أي : يطلبه طلبا حثيثا ؛ أو حال من فاعل يطلب. والحث : الاستعجال والسرعة ، يقال : ولي حثيثا ، أي : مسرعا. قوله (وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ) قال الأخفش : معطوف على السموات ، وقرأ ابن عامر برفعها كلها على الابتداء والخبر. والمعنى على الأوّل : وخلق الشمس والقمر والنجوم حال كونها مسخرات ، وعلي الثاني : الإخبار عن هذه بالتسخير. قوله (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ) إخبار منه سبحانه لعباده بأنهما له ، والخلق : المخلوق ، والأمر : كلامه ، وهو كن في قوله : (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (٢). أو المراد بالأمر ما يأمر به على التفصيل ، أو التصرّف في مخلوقاته ، ولما ذكر سبحانه في هذه الآية خلق السموات والأرض في ذلك الأمد اليسير ، ثم ذكره استواءه على عرشه وتسخير الشمس والقمر والنجوم ، وأن له الخلق والأمر. قال (تَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) أي : كثرت بركته واتسعت ، ومنه بورك الشيء وبورك فيه ، كذا قال ابن عرفة. وقال الأزهري في (تَبارَكَ) معناه : تعالى وتعاظم. وقد تقدم تفسير (رَبُّ الْعالَمِينَ) في الفاتحة مستكملا.
وقد أخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله (وَنادى أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ) الآية قال : ينادي الرجل أخاه فيقول : يا أخي أغثني فإني قد احترقت ، فأفض عليّ من الماء ، فيقال : أجبه ، فيقول : إنّ الله حرّمهما على الكافرين. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدّي في قوله (أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ) قال :
__________________
(١). النحل : ٨١.
(٢). النحل : ٤٠.