والجبال. قوله : (وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ) معطوف على جنات ، وخصهما بالذكر مع دخولهما في الجنات لما فيهما من الفضيلة (مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ) أي حال كونه مختلفا أكله في الطعم والجودة والرداءة. قال الزجاج : وهذه مسألة مشكلة في النحو ، يعني : انتصاب مختلفا على الحال لأنه يقال قد أنشأها ولم يختلف أكلها ، فالجواب أنّ الله سبحانه أنشأها مقدّرا فيها الاختلاف ، وقد بيّن هذا سيبويه بقوله : مررت برجل معه صقر صائدا به غدا : أي مقدّرا للصيد به غدا ، كما تقول : لتدخلنّ الدار آكلين شاربين : أي مقدّرين ذلك ، وهذه هي الحال المقدرة المشهورة عند النحاة المدوّنة في كتب النحو. وقال : (مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ) ولم يقل أكلهما اكتفاء بإعادة الذكر على أحدهما كقوله : (وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها) (١) أو الضمير بمنزلة اسم الإشارة : أي أكل ذلك. قوله : (وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ) معطوف على جنات : أي وأنشأ الزيتون والرمان حال كونه متشابها وغير متشابه ، وقد تقدم الكلام على تفسير هذا (كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ) أي من ثمر كل واحد منهما ، أو من ثمر ذلك (إِذا أَثْمَرَ) أي إذا حصل فيه الثمر وإن لم يدرك ويبلغ حدّ الحصاد. قوله : (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ).
وقد اختلف أهل العلم هل هذه محكمة أو منسوخة أو محمولة على الندب ، فذهب ابن عمر وعطاء ومجاهد وسعيد بن جبير إلى أن الآية محكمة ، وأنه يجب على المالك يوم الحصاد أن يعطي من حضر من المساكين القبضة والضّغث ونحوهما. وذهب ابن عباس ومحمد ابن الحنفية والحسن والنخعي وطاوس وأبو الشعثاء وقتادة والضحاك وابن جريج أن هذه الآية منسوخة بالزكاة. واختاره ابن جرير ، ويؤيده أن هذه الآية مكية وآية الزكاة مدنية في السنة الثانية بعد الهجرة ، وإلى هذا ذهب جمهور أهل العلم من السلف والخلف. وقالت طائفة من العلماء : إن الآية محمولة على الندب لا على الوجوب. قوله : (وَلا تُسْرِفُوا) أي في التّصدّق ، وأصل الإسراف في اللغة : الخطأ ، والإسراف في النفقة : التبذير ؛ وقيل : هو خطاب للولاة يقول لهم : لا تأخذوا فوق حقكم ؛ وقيل : المعنى : لا تأخذوا الشيء بغير حقه وتضعونه في غير مستحقه. قوله : (وَمِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً) معطوف على جنات ، أي : وأنشأ لكم من الأنعام حمولة وفرشا ، والحمولة : ما يحمل عليها ، وهو يختصّ بالإبل فهي فعولة بمعنى فاعلة ؛ والفرش : ما يتّخذ من الوبر والصوف والشعر فراشا يفترشه الناس ؛ وقيل : الحمولة الإبل ، والفرش : الغنم ؛ وقيل الحمولة : كل ما حمل عليه من الإبل والبقر والخيل والبغال والحمير ، والفرش : الغنم ، وهذا لا يتم إلا على فرض صحة إطلاق اسم الأنعام على جميع هذه المذكورات ؛ وقيل : الحمولة : ما تركب ، والفرش : ما يؤكل لحمه (كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ) من هذه الأشياء (وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ) كما فعل المشركون من تحريم ما لم يحرمه الله وتحليل ما لم يحلله (إِنَّهُ) أي الشيطان (لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) مظهر للعداوة ومكاشف بها.
وقد أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ) قال : المعروشات ما عرش الناس (وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ) ما خرج في الجبال والبريّة من الثمار. وأخرج عبد
__________________
(١). الجمعة : ١١.