سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (١٣٩) قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا ما رَزَقَهُمُ اللهُ افْتِراءً عَلَى اللهِ قَدْ ضَلُّوا وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (١٤٠))
هذا بيان نوع آخر من جهالاتهم وضلالاتهم. والحجر بكسر أوّله وسكون ثانيه في قراءة الجمهور. وقرأ أبان بن عثمان حجر بضم الحاء والجيم ، وقرأ الحسن وقتادة بفتح الحاء وإسكان الجيم ، وقرأ ابن عباس وابن الزبير «حرج» بتقديم الراء على الجيم ، وكذا هو في مصحف أبيّ ، وهو من الحرج ، يقال فلان يتحرّج : أي يضيق على نفسه الدخول فيما يشتبه عليه والحجر على اختلاف القراءات فيه هو مصدر بمعنى اسم المفعول ، أي : محجور ، وأصله المنع ، فمعنى الآية : هذه أنعام وحرث ممنوعة ، يعنون أنها لأصنامهم لا يطعمها إلا من يشاءون بزعمهم وهم خدام الأصنام. والقسم الثاني قولهم : (وَأَنْعامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُها) وهي البحيرة والسائبة والحام ؛ وقيل : إن هذا القسم الثاني مما جعلوه لآلهتهم أيضا. والقسم الثالث (أَنْعامٌ لا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللهِ عَلَيْهَا) وهي ما ذبحوا لآلهتهم فإنهم يذبحونها باسم أصنامهم لا باسم الله. وقيل : إن المراد لا يحجون عليها (افْتِراءً عَلَى اللهِ) : أي للافتراء عليه (سَيَجْزِيهِمْ بِما كانُوا يَفْتَرُونَ) أي بافترائهم أو بالذي يفترونه ، ويجوز أن يكون افتراء منتصبا على أنه مصدر ، أي : افتروا افتراء ، أو حال : أي مفترين ، وانتصابه على العلة أظهر ، ثم بين الله سبحانه نوعا آخر من جهالاتهم فقال : (وَقالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ) يعنون البحائر والسوائب من الأجنة (خالِصَةٌ لِذُكُورِنا) أي حلال لهم (وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا) أي على جنس الأزواج ، وهنّ النساء فيدخل في ذلك البنات والأخوات ونحوهنّ ؛ وقيل : هو اللبن جعلوه حلالا للذكور محرّما على الإناث ، والهاء في خالصة للمبالغة في الخلوص كعلامة ونسابة ، قاله الكسائي والأخفش. وقال الفراء : تأنيثها لتأنيث الأنعام. وردّ بأن ما في بطون الأنعام غير الأنعام ، وتعقب هذا الردّ بأن ما في بطون الأنعام أنعام ، وهي الأجنة ، وما : عبارة عنها ، فيكون تأنيث خالصة باعتبار معنى ما ، وتذكير محرّم باعتبار لفظها. وقرأ الأعمش خالص قال الكسائي : معنى خالص وخالصة واحد ، إلا أن الهاء للمبالغة كما تقدّم عنه. وقرأ قتادة (خالِصَةٌ) بالنصب على الحال من الضمير في متعلق الظرف الذي هو صلة لما ، وخبر المبتدأ محذوف كقولك : الذي في الدار قائما زيد ، هذا قول البصريين. وقال الفراء : إنه انتصب على القطع. وقرأ ابن عباس (خالِصَةٌ) بإضافة خالص إلى الضمير على أنه بدل من ما. وقرأ سعيد بن جبير خالصا (وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً). قرئ بالتحتية والفوقية ، أي : وإن يكن الذي في بطون الأنعام (مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ) أي في الذي في البطون (شُرَكاءُ) يأكل منه الذكور والإناث (سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ) أي بوصفهم على أنه منتصب بنزع الخافض ، والمعنى : سيجزيهم بوصفهم الكذب على الله ؛ وقيل المعنى : سيجزيهم جزاء وصفهم. ثم بين الله سبحانه نوعا آخر من جهالاتهم فقال : (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً) أي بناتهم بالوأد الذي كانوا يفعلونه سفها ، أي : لأجل السفه : وهو الطيش والخفة لا لحجة عقلية ولا شرعية كائنا ذلك منهم (بِغَيْرِ عِلْمٍ) يهتدون به. قوله : (وَحَرَّمُوا ما رَزَقَهُمُ اللهُ) من الأنعام التي سموها بحائر وسوائب