وقرى الضيف (وَما كانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلى شُرَكائِهِمْ) أي يجعلونه لآلهتهم وينفقونه في مصالحها (ساءَ ما يَحْكُمُونَ) أي ساء الحكم حكمهم في إيثار آلهتهم على الله سبحانه ؛ وقيل معنى الآية : أنهم كانوا إذا ذبحوا ما جعلوه لله ذكروا عليه اسم أصنامهم ، وإذا ذبحوا ما لأصنامهم لم يذكروا عليه اسم الله ، فهذا معنى الوصول إلى الله ، والوصول إلى شركائهم ، وقد قدّمنا الكلام في ذرأ. قوله : (وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ) أي : ومثل ذلك التزيين الذي زيّنه الشّيطان لهم في قسمة أموالهم بين الله وبين شركائهم زين لهم قتل أولادهم. قال الفرّاء والزّجّاج : شركاؤهم هاهنا هم الذين كانوا يخدمون الأوثان ؛ وقيل : هم الغواة من الناس ؛ وقيل : هم الشياطين ، وأشار بهذا إلى الوأد ، وهو دفن البنات مخافة السبي والحاجة ؛ وقيل : كان الرجل يحلف بالله لئن ولد له كذا من الذكور لينحرنّ أحدهم كما فعله عبد المطلب. قرأ الجمهور (زَيَّنَ) بالبناء للفاعل ونصب (قَتْلَ) على أنه مفعول زين ، وجرّ أولاد بإضافة قتل إليه ، ورفع (شُرَكاؤُهُمْ) على أنه فاعل زين ، وقرأ الحسن بضم الزاي ورفع قتل ، وخفض أولاد ، ورفع شركاؤهم على أن قتل هو نائب الفاعل ، ورفع شركاؤهم بتقدير يجعل يرجعه : أي زينه شركاؤهم ، ومثله قول الشاعر :
ليبك يزيد ضارع لخصومة |
|
ومختبط ما تطيح الطّوائح |
أي يبكيه ضارع. وقرأ ابن عامر وأهل الشام بضم الزاي ، ورفع قتل ، ونصب أولاد ، وخفض شركائهم على أن قتل مضاف إلى شركائهم ، ومعموله أولادهم ؛ ففيه الفصل بين المصدر وما هو مضاف إليه بالمفعول ، ومثله في الفصل بين المصدر وما أضيف إليه قول الشاعر :
تمرّ على ما تستمرّ وقد شفت |
|
غلائل عبد القيس منها صدورها |
بجر صدورها ، والتقدير : شفت عبد القيس غلائل صدورها. قال النحاس : إن هذه القراءة لا تجوز في كلام ولا في شعر ، وإنما أجاز النحويون التفريق بين المضاف والمضاف إليه بالظرف في الشعر لاتساعهم في الظروف ، وهو أي : الفصل بالمفعول به في الشعر بعيد ، فإجازته في القرآن أبعد. وقال أبو غانم أحمد ابن حمدان النحوي : إن قراءة ابن عامر هذه لا تجوز في العربية وهي زلة عالم ، وإذا زلّ العالم لم يجز اتباعه وردّ قوله إلى الإجماع ، وإنما أجازوا في الضرورة للشاعر أن يفرّق بين المضاف والمضاف إليه بالظرف كقول الشاعر :
كما خطّ الكتاب بكفّ يوما |
|
يهوديّ يقارب أو يزيل |
وقول الآخر :
لله درّ اليوم من لامها (١)
وقال قوم ممن انتصر لهذه القراءة : إنها إذا ثبتت بالتواتر عن النبي صلىاللهعليهوسلم فهي فصيحة لا قبيحة. قالوا :
__________________
(١). وصدره : لمّا رأت ساتيد ما استعبرت. والبيت لعمرو بن قميئة. «ساتيد ما» : اسم جبل.