الْقَوْلُ لَدَيَ) (١). وأخرج ابن مردويه وابن النجار عن أنس عن النبي صلىاللهعليهوسلم في قوله : (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً) قال : «لا إله إلا الله». وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي اليمان عامر بن عبد الله قال : دخل رسول الله صلىاللهعليهوسلم المسجد الحرام يوم فتح مكة ومعه مخصرة ، ولكل قوم صنم يعبدونه ، فجعل يأتيها صنما صنما ويطعن في صدر الصنم بعصا ثم يعقره ، فكلما صرع صنما أتبعه الناس ضربا بالفؤوس حتى يكسروه ويطرحوه خارجا من المسجد ، والنبيّ صلىاللهعليهوسلم يقول : (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).
(فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ (١١٨) وَما لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيراً لَيُضِلُّونَ بِأَهْوائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ (١١٩) وَذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِما كانُوا يَقْتَرِفُونَ (١٢٠))
لما تقدّم ذكر ما يصنعه الكفار في الأنعام من تلك السنن الجاهلية ؛ أمر الله المسلمين بأن يأكلوا مما ذكر اسم الله عليه ؛ وقيل : إنها نزلت في سبب خاص وسيأتي ، ولكن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، فكل ما ذكر الذابح عليه اسم الله حلّ إن كان مما أباح الله أكله. وقال عطاء : في هذه الآية الأمر بذكر الله على الشراب والذبح وكل مطعوم ، والشرط في (إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ) للتهييج والإلهاب : أي بأحكامه من الأوامر والنواهي التي من جملتها الأمر بالأكل مما ذكر اسم الله عليه ، والاستفهام في (وَما لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) للإنكار : أي ما المانع لكم من أكل ما سميتم عليه بعد أن أذن الله لكم بذلك (وَ) الحال أن (قَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ) أي بين لكم بيانا مفصلا يدفع الشك ويزيل الشبهة بقوله : (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً) (٢) إلى آخر الآية ، ثم استثنى فقال : (إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ) أي : من جميع ما حرّمه عليكم ، فإن الضرورة تحلل الحرام ، وقد تقدّم تحقيقه في البقرة. قرأ نافع ويعقوب (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ) بفتح الفعلين على البناء للفاعل ، وهو الله سبحانه. وقرأ أبو عمرو وابن عامر وابن كثير بالضم فيهما على البناء للمفعول. وقرأ عطية العوفي (فَصَّلَ) بالتخفيف : أي أبان وأظهر. قوله : (وَإِنَّ كَثِيراً لَيُضِلُّونَ بِأَهْوائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ) هم الكفار الذين كانوا يحرّمون البحيرة والسائبة ونحوهما. فإنهم بهذه الأفعال المبنية على الجهل كانوا يضلون الناس فيتبعونهم ولا يعلمون أن ذلك جهل وضلالة لا يرجع إلى شيء من العلم ، ثم أمرهم الله أن يتركوا ظاهر الإثم وباطنه. والظاهر : ما كان يظهر كأفعال الجوارح ، والباطن : ما كان لا يظهر كأفعال القلب ؛ وقيل : ما أعلنتم وما أسررتم ؛ وقيل : الزنا الظاهر والزنا المكتوم. وأضاف الظاهر والباطن إلى الإثم لأنه يتسبب عنهما ، ثم توعد الكاسبين للإثم بالجزاء بسبب افترائهم على الله سبحانه.
وقد أخرج أبو داود ، والترمذي وحسّنه ، والبزار وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن
__________________
(١). ق : ٢٩.
(٢). الأنعام : ١٤٥.