سابقا ، وهذا أولى لقوله فيما بعد (أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ) فإنّ الإشارة إلى الأنبياء المذكورين لا إلى المهاجرين والأنصار إذ لا يصحّ أن يؤمر النبي صلىاللهعليهوسلم بالاقتداء بهداهم ، وتقديم بهداهم على الفعل يفيد تخصيص هداهم بالاقتداء : والاقتداء : طلب موافقة الغير في فعله. وقيل المعنى : اصبر كما صبروا ؛ وقيل : اقتد بهم في التوحيد ، وإن كانت جزئيات الشرائع مختلفة ، وفيها دلالة على أنه صلىاللهعليهوسلم مأمور بالاقتداء بمن قبله من الأنبياء فيما لم يرد عليه فيه نصّ. قوله : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً) أمره الله بأن يخبرهم بأنه لا يسألهم أجرا على القرآن ، وأن يقول لهم : ما (هُوَ إِلَّا ذِكْرى) يعني القرآن (لِلْعالَمِينَ) أي موعظة وتذكير للخلق كافة الموجودين عند نزوله ومن سيوجد من بعد.
وقد أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن محمد بن كعب قال : الخال والد والعم والد ، نسب الله عيسى إلى أخواله فقال : (وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ) حتى بلغ إلى قوله : (وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى). وأخرج أبو الشيخ والحاكم والبيهقي عن عبد الملك بن عمير قال : دخل يحيى بن يعمر على الحجّاج فذكر الحسين ، فقال الحجّاج : لم يكن من ذرية النبي ، فقال يحيى : كذبت ، فقال : لتأتيني على ما قلت ببينة ، فتلا (وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ) إلى قوله : (وَعِيسى) فأخبر الله أن عيسى من ذرية آدم بأمه ، فقال : صدقت. وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي حرب بن أبي الأسود قال : أرسل الحجّاج إلى يحيى بن يعمر فقال : بلغني أنك تزعم أن الحسن والحسين من ذرية النبي ، تجده في كتاب الله ، وقد قرأته من أوّله إلى آخره فلم أجده؟ فذكر يحيى بن يعمر نحو ما تقدّم. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله : (وَاجْتَبَيْناهُمْ) قال : أخلصناهم. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله : (وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) قال : يريد هؤلاء الذين هديناهم وفعلنا بهم. وأخرج أبو الشيخ عن مجاهد قال : الحكم : اللب. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ) يعني أهل مكة ، يقول : إن يكفروا بالقرآن (فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ) يعني : أهل المدينة والأنصار. وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : (فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً) قال : هم الأنبياء الثمانية عشر الذين قال الله فيهم : (فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ). وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي رجاء العطاردي قال في الآية : هم الملائكة. وأخرج البخاري والنسائي وغيرهما عن ابن عباس في قوله : (فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ) قال : أمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن يقتدي بهداهم وكان يسجد في ص ، ولفظ ابن أبي حاتم عن مجاهد : سألت ابن عباس عن السجدة التي في ص ، فقال هذه الآية (١) ، وقال : أمر نبيكم أن يقتدى بداود عليهالسلام. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً) قال : قل لهم يا محمد لا أسألكم على ما أدعوكم إليه عرضا من عروض الدنيا.
__________________
(١). آية السجدة في سورة ص هي (وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ) [سورة ص : ٢٤].