ومعبودكم هي تلك المخلوقات ، فكيف تخوّفوني بها؟ وكيف أخافها وهي بهذه المنزلة ولا تخافون من إشراككم بالله سبحانه؟ وبعد هذا فأخبروني : أيّ الفريقين أحقّ بالأمن وعدم الخوف (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) بحقيقة الحال وتعرفون البراهين الصحيحة وتميزونها عن الشّبه الباطلة؟ ثم قال الله سبحانه قاضيا بينهم ومبينا لهم : (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ) أي هم الأحق بالأمن من الذين أشركوا ، وقيل : هو من تمام قول إبراهيم ؛ وقيل : هو من قول قوم إبراهيم. ومعنى (لَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ) لم يخلطوه بظلم. والمراد بالظلم : الشرك ، لما ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن مسعود قال : لما نزلت هذه الآية شقّ ذلك على أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وقالوا : أيّنا لم يظلم نفسه؟ فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ليس هو كما تظنّون ، إنما هو كما قال لقمان : (يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) (١)» ، والعجب من صاحب الكشاف حيث يقول في تفسير هذه الآية : وأبى تفسير الظلم بالكفر لفظ اللبس. وهو لا يدري أن الصادق المصدوق قد فسرها بهذا ، وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل (٢) ، والإشارة بقوله : (أُولئِكَ) إلى الموصول المتصف بما سبق ، و (لَهُمُ الْأَمْنُ) جملة وقعت خبرا عن اسم الإشارة ، هذا أوضح ما قيل مع احتمال غيره من الوجوه (وَهُمْ مُهْتَدُونَ) إلى الحق ثابتون عليه ، وغيرهم على ضلال وجهل ، والإشارة بقوله : (تِلْكَ حُجَّتُنا) إلى ما تقدّم من الحجج التي أوردها إبراهيم عليهم : أي تلك البراهين التي أوردها إبراهيم عليهم من قوله : (فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ) إلى قوله : (وَهُمْ مُهْتَدُونَ. وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ) أي أعطيناه إياها وأرشدناه إليها ، وجملة (آتَيْناها إِبْراهِيمَ) في محل نصب على الحال ، أو في محل رفع على أنها خبر ثان لاسم الإشارة (عَلى قَوْمِهِ) أي حجة على قومه (نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ) بالهداية والإرشاد إلى الحق وتلقين الحجة ، أو بما هو أعم من ذلك (إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) أي حكيم في كل ما يصدر عنه عليم بحال عباده ، وأن منهم من يستحقّ الرفع ومنهم من لا يستحقّه.
وقد أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس قال في قوله تعالى : (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ) قال : الآزر الصنم وأبو إبراهيم اسمه : يازر وأمه اسمها : مثلي وامرأته اسمها : سارة ، وسريته أم إسماعيل اسمها : هاجر. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال : آزر لم يكن بأبيه ولكنه اسم صنم. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدّي قال : اسم أبيه تارخ واسم الصنم : آزر. وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج نحوه. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن سليمان التيمي ، أنه قرأ (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ) قال : بلغني : أنها أعوج ، وأنها أشدّ كلمة قالها إبراهيم لأبيه. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس أنه قال : إنّ والد إبراهيم لم يكن اسمه آزر ، وإنما اسمه تارخ. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عنه في قوله تعالى : (وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) قال : الشمس والقمر والنجوم. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عنه قال
__________________
(١). لقمان : ١٣.
(٢). هذا مثل يضرب في الاستغناء عن الأشياء الصغيرة إذا وجد ما هو أكبر منها وأعظم نفعا (الأمثال اليمانية ١ / ٩٥)