وسعه. قوله : (لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ) أي لكلّ شيء وقت يقع فيه. والنبأ : الشيء الذي ينبأ عنه ؛ وقيل المعنى : لكل عمل جزاء. قال الزجاج : يجوز أن يكون وعيدا لهم بما ينزل بهم في الدنيا. وقال الحسن : هذا وعيد من الله للكفار ، لأنهم كانوا لا يقرّون بالبعث (وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) ذلك بحصوله ونزوله بهم كما علموا يوم بدر بحصول ما كان النبي صلىاللهعليهوسلم يتوعدهم به. قوله : (وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ) الخطاب للنبي صلىاللهعليهوسلم ، أو لكل من يصلح له. والخوض : أصله في الماء ثم استعمل في غمرات الأشياء التي هي مجاهل تشبيها بغمرات الماء ، فاستعير من المحسوس للمعقول ؛ وقيل : هو مأخوذ من الخلط ، وكلّ شيء خضته فقد خلطته ، ومنه : خاض الماء بالعسل : خلطه. والمعنى : إذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا بالتكذيب والردّ والاستهزاء فدعهم ، ولا تقعد معهم لسماع مثل هذا المنكر العظيم حتى يخوضوا في حديث مغاير له ، أمره الله سبحانه بالإعراض عن أهل المجالس التي يستهان فيها بآيات الله إلى غاية هي الخوض في غير ذلك.
وفي هذه الآية موعظة عظيمة لمن يتسمّح بمجالسة المبتدعة الذين يحرّفون كلام الله ويتلاعبون بكتابه وسنة رسوله ، ويردّون ذلك إلى أهوائهم المضلّة وبدعهم الفاسدة ، فإنه إذا لم ينكر عليهم ويغير ما هم فيه فأقلّ الأحوال أن يترك مجالستهم ، وذلك يسير عليه غير عسير. وقد يجعلون حضوره معهم مع تنزّهه عما يتلبسون به شبهة يشبهون بها على العامة ، فيكون في حضوره مفسدة زائدة على مجرّد سماع المنكر.
وقد شاهدنا من هذه المجالس الملعونة ما لا يأتي عليه الحصر ، وقمنا في نصرة الحق ودفع الباطل بما قدرنا عليه ، وبلغت إليه طاقتنا ، ومن عرف هذه الشريعة المطهرة حقّ معرفتها علم أن مجالسة أهل البدع المضلة فيها من المفسدة أضعاف أضعاف ما في مجالسة من يعصي الله بفعل شيء من المحرّمات ، ولا سيما لمن كان غير راسخ القدم في علم الكتاب والسنة. فإنه ربما يتفق عليه من كذباتهم وهذيانهم ما هو من البطلان بأوضح مكان ، فينقدح في قلبه ، ما يصعب علاجه ويعسر دفعه فيعمل بذلك مدّة عمره ويلقى الله به معتقدا أنه من الحق وهو الباطل وأنكر المنكر. قوله : (وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى إِمَّا) هذه هي الشرطية وتلزمها غالبا نون التأكيد ولا تلزمها نادرا ومنه قول الشاعر :
إمّا يصبك عدوّ في مناوأة |
|
يوما فقد كنت تستعلي وتنتصر |
وقرأ ابن عباس ينسيك بتشديد السين ، ومثله قول الشاعر :
وقد ينسّيك بعض الحاجة الكسل (١)
والمعنى : إن أنساك الشيطان أن تقوم عنهم فلا تقعد بعد الذكرى إذا ذكرت (مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) أي : الذين ظلموا أنفسهم بالاستهزاء بالآيات والتكذيب بها. قيل : وهذا الخطاب وإن كان ظاهره للنبي صلىاللهعليهوسلم فالمراد التعريض لأمته لتنزّهه عن أن ينسيه الشيطان ؛ وقيل : لا وجه لهذا فالنسيان جائز عليه كما نطقت بذلك
__________________
(١). وصدره : قالت سليمى أتسري اليوم أم تقل.