وفاته إيّاهم بالليل فمنامهم ، و (ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ) فيقول : ما اكتسبتم بالنّهار (ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ) قال : في النهار (لِيُقْضى أَجَلٌ مُسَمًّى) وهو الموت. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس (وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ) قال : ما كسبتم من الإثم. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدّي في قوله : (وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً) قال : هم المعقّبات من الملائكة يحفظونه ويحفظون عمله. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في الآية قال : أعوان ملك الموت من الملائكة. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه في قوله : (هُمْ لا يُفَرِّطُونَ) يقول : لا يضيعون.
(قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجانا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (٦٣) قُلِ اللهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْها وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ (٦٤) قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (٦٥))
قيل : المراد بظلمات البرّ والبحر : شدائدهما. قال النحاس : والعرب تقول : يوم مظلم : إذا كان شديدا ، فإذا عظّمت ذلك قالت : يوم ذو كوكب ، أي يحتاجون فيه لشدّة ظلمته إلى كوكب. وأنشد سيبويه :
بني أسد هل تعلمون بلاءنا |
|
إذا كان يوم ذو كواكب اشنعا |
والاستفهام للتقريع والتوبيخ : أي من ينجيكم من شدائدهما العظيمة؟ قرأ أبو بكر عن عاصم خفية بكسر الخاء ، وقرأ الباقون بضمها ، وهما لغتان. وقرأ الأعمش «وخيفة» من الخوف. وجملة (تَدْعُونَهُ) في محل نصب على الحال : أي من ينجيكم من ذلك حال دعائكم له دعاء تضرّع وخفية أو متضرّعين ومخفين. والمراد بالتضرع هنا : دعاء الجهر. قوله : (لَئِنْ أَنْجَيْتَنا) كذا قرأ أهل المدينة وأهل الشام. وقرأ الكوفيون (لَئِنْ أَنْجانا) والجملة في محل نصب على تقدير القول : أي قائلين لئن أنجيتنا من هذه الشدّة التي نزلت بنا وهي الظلمات المذكورة (لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ) لك على ما أنعمت به علينا من تخليصنا من هذه الشدائد. قوله : (قُلِ اللهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْها وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ) قرأ الكوفيون وهشام ينجيكم بالتّشديد ، وقرأ الباقون بالتخفيف ، وقراءة التشديد تفيد التكثير ؛ وقيل : معناهما واحد ، والضمير في (مِنْها) راجع إلى الظلمات. والكرب : الغم يأخذ بالنفس ، ومنه : رجل مكروب. قال عنترة :
ومكروب كشفت الكرب عنه |
|
بطعنة فيصل لمّا دعاني |
(ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ) بالله سبحانه بعد أن أحسن إليكم بالخلوص من الشدائد وذهاب الكروب شركاء لا ينفعونكم ، ولا يضرّونكم ، ولا يقدرون على تخليصكم من كل ما ينزل بكم ، فكيف وضعتم هذا الشرك موضع ما وعدتم به من أنفسكم من الشكر؟ ثم أمره الله سبحانه أن يقول لهم : (هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً) أي الذي قدر على إنجائكم من تلك الشدائد ودفع عنكم تلك الكروب قادر على أن يعيدكم