وبناء هذه الشخصية على أسس من الواقع والصلاحية للحياة عن طريق خبراتهم ، وتجاربهم ، ودعوات الحياة ، وعلى هدى ما رسمه منهج القرآن الكريم ، وما وصفه لنا من خلال الأمثال القرآنية التى تكلمت عن هذه الشخصية المسلمة ، والنفس المسلمة التى صاغها القرآن الكريم فى أوامره وتكاليفه ، وطبقها محمد وصحبه الكرام فى معالجة أوضار الحياة.
ونحن إذ نعرض لهذه الاتجاهات من خلال الأمثال العربية التى نسوقها فى ثوبها الذى وردت به ، نلمس جانبا من تيارات ثقافتنا العربية له فى تكويننا العقلى مكانة لا تقل شأنا وأثرا عن مكانة الشعر ، وبقية ألوان النثر ، ولا أغالى إذ قلت : إن هذا الأثر سيظل قوى المفعول ، محفورا مع الزمن فى العقل والوجدان ؛ لأنه مأخوذ من الحياة ، ومستمد من الأحداث ، ومرتبط بالوقائع والواقع ، فقد تلفظت به شفاه ، وطبقه أشخاص ، ورسمته فى دنيا الواقع أحداث كانت من الحياة وإلى الحياة تعود ، وخاطبت العقلاء من القوم ، صغيرهم وكبيرهم.
قامت الأمثال على مخاطبة الإنسان ، والنظر إليه ، وسبر أغواره ، والإحاطة بشأنه ، وتصوير أحواله النفسية ، والوجدانية ، والاجتماعية ، والعقلية ، وكل ما يتعلق به فى حياته الخاصة والعامة ، خاطبت الإنسان الذى حظى بالتكريم من خالقه ، ففضله على بقية مخلوقاته بتلك القيم التى يتمثلها فى حياته ، ويطبقها فى معاملاته.
خلق الله الإنسان حرا ، له إرادته الخاصة ، واختياره فى الحياة ، فهما ، وسلوكا ، وعملا ، وعقيدة ، دون أن يقع تحت تأثير معتقدات بالية تأتيه من كبير أو صغير ، أو معبودات باطلة تسيء إلى آدميته ، وفطرته ، فطرة متحررة تعطيه هذا المدد من الحرية والاختيار فيما يملك من أدوات ، واستخدام حواس خلقها الله له ، وهيأها لخدمته ، وقد لا تكون هذه الأدوات كافية للهداية والتوجيه فى الحياة ، وقد يكون العقل قاصرا ، فلا يبلغ بصاحبه إلى برّ الأمان الفكرى والعقدى ، لذلك اقتضت الحكمة الإلهية أن يعالج هذا القصور البادى فى الإنسان بإرسال الرسل الداعية إلى الخير ، وعدم الاغترار بالعقل ، والاستفادة من تجارب الآخرين فى الإلمام بشئون الحياة ، وعدم الاستبداد بالرأى ، والأخذ بنصح الناصح ما دام خالصا ، هذا هو الإنسان السوىّ الذى يهدف إلى إبرازه وتكوينه المثل العربى فى تعبيره ورأيه.
يتصدر المثل العربى قائمة هذه النظرة بقوله :