والأخذ بالأسباب ، بعد الاعتماد على الله سبحانه وتعالى خالق الأسباب والمسببات ، فلا يأتى عشوائيا ، ولا عن طريق الصدفة كما يدعى الماديون والقائلون بهذه المقولات الفاسدة التى لا تدل على إيمان ، ويأخذون بظاهر الأمور.
فالفوز بالآخرة مرتبط بالعمل ، والصبر على صنوف الآلام والمتاعب والإيذاء ، وأما التمنى والتغنى بالشعارات دون أن يصحب ذلك جهاد ومشقة ، فبضاعة خاسرة لا تجد لها وزنا وتقديرا يوم توزن الأعمال ، وتجد (كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً) [آل عمران : ٣٠].
وأسمى ما يقدمه المؤمن من عمل فى دنياه تلك الروح التى تحررت من الخوف ، والذل ، والحرص على الحياة ، والاسترخاء إلى الدعة وطيب العيش ، كما يتحمل المسئوليات فى الأعمال المنوطة به.
ومن الأشياء التى توجه الآيات الأنظار والعقول إليها ، أن آصرة العقيدة هى التى تربط المجتمع المسلم برباط التحابّ ، والأخوة ، والأخذ بتعاليم الإسلام وآدابه القائمة على التكاليف التى فرضها الإسلام ، كما أن العلم الذى يكوّن النفوس المسلمة ، ويصنع الحياة ، هو القائم على النظر والاستدلال ، ويربط بين العقل والقلب والعمل.
والدارس لمشكلات الشعب ، والحياة الحاضرة ، وما يجدّ من أزمات تأخذ بخناقنا ، وبشبابنا وأولادنا وزوجاتنا ، ومقارنة ذلك بما عرضناه من صور نابضة بالحياة ، ومجاهدة النفس ، والجهاد فى سبيل الله ، والعمل على إيقاد جذوة الحياة بما فيها من قيم ومثل رفيعة ، يرى من خلال هذه الموازنة والمقارنة أن أسباب ما نكابد وما نجد فى حياتنا من أزمات ومشكلات يرجع فى أساسه إلى تلك المصادر التى تولت تغذية عقولنا وأرواحنا بلبانها ، وأرضعتنا بثقافتها ، وأمدتنا بنماذجها البشرية ؛ لتكون قدوة لنا فى الحياة ، والعمل ، والسلوك ، والخلق.
إن هؤلاء الذين يعانون من تلك المآسى إنما يتلقون زادهم الفكرى وقيمهم المثلى من مصادر تشبع فيهم النهم ، وتروى الظمأ الذى يستبد بنفوسهم وأرواحهم ، مصادر لا يستطيع أى إنسان أن ينكر تأثيرها وإسهامها فى صنع قيم الإنسان ، وتنمية عقله ، وتغيير سلوكه ، وبخاصة بعد تلك النقلة الجبارة فى العلم ، والتقدم الحديث فى الاتصالات التى قربت بين الشعوب على اختلاف لغاتها ومذاهبها ، وما تمارسه من عادات وأخلاق.